الكاتب : سورية الغد

بقيت مسألة لجنة التحقيق الدولية واعتراض روسيا على توجهها لسورية الموضوع الأهم في التحرك الدولي تجاه ما يحدث في دمشق، فالمدخل الدولي على ما يبدو يشكل "الحل الأمثل" بالنسبة للمعارضة السورية في الخارج التي تعرف أكثر من غيرها نوعية التداعيات التي يمكن أن تظهر نتيجة أي محاولة تدويل، بينما يبدو الوضع داخليا في مرحلة مخاض حقيقي مع تواكب الحراك الحكومي جنبا إلى جنب مع التحرك الأمني في درعا، وبات واضحا أن عملية الفرز ما بين "المطالب" و "أعمال العنف" تشكل هاجسا ليس على الصعيد الرسمي بل أيضا على المستوى الاجتماعي.

ميدانيا فإن دمشق سجلت اعتصاما صامتا ظهر أمس لنساء تضامنا مع اهل درعا، بينما تناقلت الوكالات امس أنباء عن تظاهرة في بانياس، وعن عدد من القتلى في درعا، بينما تحدثت المصادر الرسمية عن اعتقال 149 شخصا من المطلوبين على خلفية أحداث العنف في درعا، ويبدو الوضع في منطقة حوران هو الاختبار الحقيقي في عملية الانتقال التي تخوضها سورية اليوم، فمسألة الحسم الأمني تأخذ مساحة جدل واسعة كونها تشكل خطا فاصلا بين منطقتين:

الأولى في اعتبار مسألة الحسم الأمني هي ضرورة لتثبيت وضع قائم بعد انتهاء الاتصالات التي جرت مع "وجهاء" المنطقة، ولم تؤد إلى واقع جديد حيث بقيت التظاهرات التي قاطعت تماما أي حل سياسي تم تقديمه، وإذا كانت وجهة النظر الرسمية ترى أن الاستقرار شرط لمسألة تطبيق الإصلاحات، فإن وجهة نظر المتظاهرين كانت واضحة عبر رفع سقف المطالب، والسؤال ظهر واضحا مع دخول الجيش إلى درعا: هل الحل الأمني هو استعادة المبادرة للدولة أم أنه حل نهائي؟ لكن هذا السؤال بذاته يمكن اعتباره الاختبار الحقيقي لأن الجهات الرسمية تنفي أي توجه لحل أمني، ودفعت رئاسة الوزارة الوزراء للحديث عن إجراءاتهم الحكومية، بينما تحدث رئيس الوزراء عن إصلاحات سياسية شاملة.

الثانية هي البيئة المتوقعة في حال حصول الإصلاحات وتفاعلها مع الحراك الشعبي، وهو أمر لا يبدو بالسهولة المتوقعة، فالإصلاحات تطفو على مساحة احتجاجات وأعمال عنف وضحايا، وإدارة الأزمة تبدو في يد الدولة تحديدا كي تخلق هذه البيئة الجديدة، على الأخص أن "المتظاهرين" احتكروا ساحة الحراك الشعبي خلال الشهر الماضي، بينما بدت المؤسسات السياسية، مهما كان حجمها أو قدرتها على الحركة، كمراقب أو مركزا لتصدير المواقف، فأحزاب الجبهة أصدرت بيانات وبعض الأحزاب الموجودة خارج الجبهة مع بعض النشطاء ومجموعة من المثقفين قدمت أيضا بيانات، وهو ما يوحي أن النخب الثقافية هي منفعلة بالحدث وربما غير قادرة على التعامل معه بشكل إيجابي.

حديث النخب الثقافية يتحدث في الغالب عن عدم وجود مساحة حقيقية للتحرك، فرفع حالة الطوارئ لم تعطي صورة كاملة وبيانات منظمات حقوق الإنسان داخل سورية بقيت تتحدث عن اعتقالات لأسماء معروفة أو ربما غير معروفة من قبل شرائح واسعة من المجتمع السوري، فالحراك الأساسي على ما يبدو متواجد على صفحات الجرائد والمجلات وبعض المواقع الالكترونية التي تقدم وجهات نظر مختلفة تحاول رسم المسار العام في ظل تواجد ظرفين متشابكين: الأول استمرار حالة الاحتجاج حتى ولو بدت محدودة، والثانية بوادر العملية الإصلاحية حتى ولو وضعت عليها ملاحظات. لكن قراءة الوضع السوري في النهاية يجب أن تخرج من تلك المساحات الضيقة، فالإعلام لا يكفي، وربما يبقى رسم الحراك السياسي القادم التحدي الحقيقي أمام المجتمع السوري ككل.