الكاتب : حسان عبه جي

جاء رفض وزير الخارجية التركي، أحمد داوود أوغلو، أي تدخل أجنبي في سورية، ليعيد رسم الصورة الإقليمية بعد تقارير إعلامية تحدثت عن مواقف لدول الجوار مما يحدث في سورية، وحسب عدد من المصادر التركية فإن موقف أنقرة لا يعني أن تركية تعمل في ساحة مختلفة عما يجري في سورية، فهي تريد استكمال الحراك مع القيادة السورية وفق تصور يقف على خط يملك حساسية في مسألة الاضطراب في سورية، ولكنه في نفس الوقت يتأثر برأي عام تركي يضغط باتجاه سياسي مختلف، ويسعى إلى خلق حالة شعبية متضامنة مع المحتجين في كثير من الأحيان.

وحسب تصريحات أوغلو فإن العامل الخاص في سورية، أو ما أسماه "بنية اجتماعية متنوعة"، تشكل المفتاح الأساسي لأي موقف يمكن أن تتخذه تركية من الوضع في سورية، بينما جاء الموقف الروسي في بيان خارجيتها ليتعامل مع الوضع السوري بنفس الحساسية، ولكنه أضاف ناحية مرتبطة بالواقع الدولي عندما اعتبر انعقاد جلسة خاصة لمجلس حقوق الإنسان حول سوريا "عملاً مسيّساً وفيه رفض لمبادئ الحوار والتعاون".

ورغم انشغال الإعلام الدولي بمسألة قتل "أسامة بن لادن"، لكن الاهتمام بالموضوع السوري مؤهل خلال هذا الأسبوع للتطور، وذلك مع التركيز على مسألة "لجنة التحقيق"، التي ستستقطب خلال الأيام القادمة جدلا دبلوماسيا وسياسيا، وستحدد بحركتها أو بمواقف دولها مسار الوضع السوري في المحافل الدولي، لكن هذه التحركات لم تشكل وفق التصريحات الرسمية السورية أي دلائل على تحول في إدارة الأزمة، فالمؤشرات الأساسية هو أن ما يحدث يدخل ضمن اعتبارين:

الأول أن الدولة والمجتمع، وليس المؤسسات السياسية الرسمية فقط، هي المستهدفة بالتحرك الحالي، فإعادة الاستقرار حسب التصريحات الرسمية يشكل مفتاحا لأي حلول قادمة، والإعلام السوري يعبر بوضوح عن "معركة حقيقية" يسقط فيها شهداء من الجيش، وهو لا يقوم بالتعبئة بل يحاول وفي أسلوبه، الذي يختلف معه البعض، وضع ما يحدث في إطار تثبيت الاستقرار بشكل عام سواء في درعا أو في أي منطقة أخرى، علما أن هناك إقرار عام بأن ما يجري هو على "مرأى" من العالم، لذلك فإن التفسيرات السياسية تقدم يوميا سواء عبر الفضائيات أو من خلال التصريحات التي تنقلها باقي وسائل الإعلام.

الثاني فضل "مسار الإصلاح" عن التحركات الأمنية التي تجري في درعا على وجه التحديد، وذلك في تأكيد على أن "الإصلاح السياسي" سيسير مهما كان "الضرورات الداخلية" أو "الضغوط الخارجية"، وبغض النظر عن المواقف التي تظهر يوميا حول الوضع في سورية فإن السياسة السورية ترى فيما يحدث مجابهة حقيقية متشابكة، وهو ما يدفعها للتركيز على محور "الاستقرار" الذي تعتبره بوابة التماسك الاجتماعي في سورية.

ومن الواضح أن إدارة الأزمة في سورية تجاوزت بعض المسائل في عملية التأثير الخارجي، فمسألة الضغط الإعلامي وإن بقي حاضرا عبر الفضائيات السورية، لكن في التحرك السياسي أو حتى في مسألة دخول الجيش إلى درعا، تم تجاوز هذا الضغط واعتبار أن الحدث السوري مهما كانت الظروف سيشكل استقطابا، ومن جانب آخر فإن المعركة السياسية كما تبدو على الأقل في التحركات الأمنية أو حتى الحكومية التي تخص رئاسة الوزراء أو حتى على مستوى مجلس الشعب، ليست مع حركة الاحتجاج بل مع قدرة المؤسسات الرسمية على استعادة زمام المبادرة.

بالطبع فإن تجاوز حوالى الشهر والنصف من "عمر الأزمة" السورية سيحمل مؤشرات على تحول في الصورة الخاصة بسورية، وهو أمر لا يحتج فقط إلى الخروج من الأزمة، بل أيضا لبناء جديد في تلك الصورة، وهو ما يراهن عليه البعض على أنه تقلص في الدور الإقليمي، فاستعادة هذا الدور وفاعليته هي التي تحتاج خلال المراحل القادمة إلى حراك سياسي مختلف وربما لتطوير استراتيجي قادر على تطوير المسارات السياسية التي كانت قائمة.