الكاتب : سورية الغد

المعطيات داخل الحدث السوري كثيرة، الأمر الذي يجعل من الصعب تحديد سيناريو نهائي لما يمكن أن يحدث، فإذا كانت حدة "التظاهر" خفت ولو بشكل نسبي لكن المشاكل السياسية تصاعدت بشكل كبير خلال الأيام القليلة الماضية، ولم يعد الشأن الداخلي السوري مجرد حديث عن مطالب ديمقراطية فقط، فالسياسة الدولية دخلت على خط التعامل مع أزمة، وإذا كانت "العقوبات" شأنا يستخدم دائما للضغط لكنه يعبر عن "مناخ دولي" إن صح التعبير، فالإصرار الفرنسي على الذهاب بتلك العقوبات إلى أقصى حد لها، فإنه لا يعكس موقفا فقط بل يمنح فرصة أيضا لغطاء دولي من أجل التصعيد الداخلي.

بالتأكيد فإن "الأزمة" في سورية على الأرض مختلفة نوعيا عما يمكن أن تصوره الفضائيات، فما يحدث ليس "فلاشا" يتم تكراره في نشرات الأخبار، لأنه يتسرب إلى عمق المجتمع، وهو يعيد تكوين الثقافة الاجتماعية نظرا لعمق تداعيات ما حدث، فإذا كان صحيحا أن حجم التظاهرات لم يصل إلى تلك الأرقام التي تعبر عن إرادة عامة، وربما العكس هو الصحيح، لكنه شكل صورة مختلفة للمجتمع السوري الذي وقف أمام حالة غير مسبوقة، فهو يراقب "الحدث السوري" إعلاميا حتى لو كان الواقع مختلف أحيانا عما ينقل.

عمليا فإن الغطاء الدولي يضعنا أمام مجموعة من المعطيات حول المشهد السوري، فبمجرد الحديث عن مواقف دولية فإننا سنقف أمام صورة لـ"معارضة سورية" خارج البلاد، وهو مشهد مؤلم في الواقع لأنه يقدم لنا صورة مزدوجة لدُعاة تغيير من خلف "الميكروفونات"، في وقت تظهر فيه مشاهد "الدماء" سواء كانت حقيقية أو مركبة لتقدم قسوة التحول الذي يريده البعض، وإذا كان الداخل السوري لا يهتم كثيرا لتلك الشخصيات التي تبدو متأنقة وقادرة على العودة تاريخيا بنا إلى حقب ماضية، لكن الأمر ربما يتجاوز إرادة الناس، لأن هؤلاء المعارضين هم وحدهم من يحاول رسم التصور على الفضائيات أو تصدير المواقف، ولا يمكن فصل الموقف الأوروبي عموما عن تواجدهم داخل مراكز القرار في تلك القارة، حتى ولو أنكروا أي اتصال لهم بهذه المراكز، فهم في النهاية قناة الوصل الوحيد مع الاتجاه المفترض للسياسة السورية في حال حدوث أي تغيير.

هذا المشهد السياسي الدولي يضعنا في صلب المعادلة الصعبة التي تجعل من أي حراك داخلي سوري عنوانا لطموحات سياسية ربما لا يكون لها أي علاقة بالحدث الأساسي الذي يجري على أرض سورية، لكن سرعان ما نجد أن الغطاء الدولي هو نقطة الارتكاز التي يمكن أن يستند إليها أي حراك...

على مدى السنوات الماضية كنا نكتشف وبشكل دائم حالات استلاب سياسي، وهو أمر ربما يظهر نتيجة التداخل في الوضع الخاص بسورية، لكنه يعبر عن أزمة حقيقية، فالمشكلة ليست في أن ما يحدث هو مؤامرة، بل في درجة التداخل بين ما هو خارجي وداخلي، وأيضا في ظهور رغبة دولية في اللحظات الحرجة للتأثير على الحدث، فالعقوبات الدولية في النهاية تكريس لتلك الظاهرة التي نعاني منها دائما وتجعلنا نشهد تداعيات غير متوقعة في أي حدث سوري