الكاتب : سها مصطفى

لحظات بسيطة غيرت وجه مدينة اللاذقية، بضربة طائشة أو بقدر أحمق الخطا قاد المدينة الساحلية نحو مصير مجهول بدا محتوما لوهلة، لكنه سرعان ما تلاشى مخلفا شهادات وذاكرة متعبة مثخنة بعرض استعراض العضلات بدا لوهلة في اولى تباشيره انه من وحي حمى الثورات في المنطقة، اليوم شيء من الحذر يسم هواء المدينة الساحلية وشوارعها وملامح سكانها.

تلك الوجوه لن تحمل ملامح الارتياح التي عرفتها سابقا، تلك الحقبة ولت مع زخ الرصاص الذي غمر ليل المدينة وأحيائها، حتى المتسولين باتوا موضع ريبة، بعد القبض على سيدات مسلحات بحزام ناسف في السكن الجامعي في جامعة تشرين، اليوم تلك الشوارع لم تعد فارغة عادت تلك الحركة وإن لم تكن كما عهدت سابقا، لكنها عادت وبقوة في تحد لإرادة السلاح وكسر لثقافة الخوف وثورة النصال والمسدسات والأحزمة الناسفة، عادت وحملت معها حكايات شهود عيان، شهود لم يكونوا كشهود الزور أو الشهود العميان، لكن اللافت أن هؤلاء ورغم تطابق روايتهم والحكايات الرسمية عن العناصر المسلحة والمخربة الذين دعيوا بالمتظاهرين السلميين، هؤلاء الشهود يرفض بعضهم بخوف الادلاء بشهادته وبعضهم الآخر يرفض ذكر اسمه!

مهند عيسى كان هناك في تلك الساحة عندما انطلقت شرارة التظاهرات من جامع العوينة وشيخها الذي افتى بجواز قتل الآخر، يقول’كنت في الساحة وكان الشبان المتظاهرين مسلحين، كل شيء كان مخطط له من كل الجهات، في البداية الامن فرقهم بالمياه وحاول الاهالي التصدي لهم، عندها هاجموا وضربوا كل من وقع بين ايديهم من امن او مدنيين’، يضيف’الناس والأمن تفاجئوا بما حدث وبما فعله المتظاهرون، اللاذقية اليوم اختلفت بشكل جذري بكل ما تحمله من معالم وناس وبيئة، الناس كانت تخرج ليلا الواحدة الآن حتى الساعة الخامسة أو السادسة على اكثر تقدير تغلق المحال التجارية أبوابها، ليلا لاحركة في الشوارع’.

أحد الباعة يرفض الحديث ويكتفي بالقول لاعلاقة لي بكل ماحدث لانني كلما احتدمت مظاهرة ما كنت اغلق ابواب محلي وانصرف منعا لأي طارىء لاسمح الله، لكنني فيما بعد تابعت والحياة تعود للمدينة رويدا رويدا، أما مقتدى مصطفى فيقول أن ماحدث ترك أثره على حركة البيع التي تراجعت، لكنها عادت، يصمت مقتدى قليلا ويضيف’الآن بدأت الحركة تعود ليس كما سبق ولكننا نأمل أن تعود لحركتها المعتادة’.

غفار شعبان بثقة يعتبر أن الامور طبيعية اليوم، ويقول’الناس باتت يدا واحدة، ولا انكر انه في البداية ارتبك الجميع، لكننا عدنا وتعاونا مع الامن عبر اللجان الشعبية، وكانت المظاهرات بالنسبة للامن في البداية نوع من الصدمة مع نزولهم للشوارع بلا سلاح ومواجهتهم للمتظاهرين الذين كانوا مسلحين’، يضيف’الامن حمى المتظاهرين في البداية ونحن بصراحة كشباب كنا نرغب بضربهم لكن الامن حماهم حتى منا، لكننا والامن فوجئنا بأن المتظاهرين بالنتيجة كانوا مسلحين، لذلك تعاون اهالي المدينة مع الامن مع تبين عدم سلمية هذه المظاهرات’.

السكان في تحركاتهم ومتابعتهم تفاصيل حياتهم اليومية البسيطة، يوقنون أن هناك شيء ما انكسر، محمد. ج ابن حي الصليبة شاهد المظاهرة التي خرجت الجمعة 31 نيسان من جامع الحسين، ويقول لسوريا الغد’كلهم مراهقين لا تتجاوز اعمارهم العشرين عاما، وبدؤوا يهتفوا بالروح بالدم نفديك يا درعا، الامن تدخل وفض المظاهرة بتفريقهم دون اطلاق الرصاص أوحتى الإساءة لهم بأي كلمة’، أما عن آثار هذه المظاهرات المسالمة جدا يقول أحمد ’كلنا خائفين، الناس لم تعد تخرج للشوارع كثيرا، وحتى أنا كشاب لم اعد اسير في الشارع لوحدي، بتنا نغلق محالنا باكرا بعد أن كنا نغلق في وقت متأخر، ونذهب لمنازلنا ضمن مجموعات لحماية بعضنا...الشوارع لم تعد آمنة كما سبق بعد ماحدث وبعد مافعلوه’.

اهالي المدينة لايزالون يتعاطون مع ماحدث بشيء من الهدوء الحذر، وهم يعودون لاعمالهم تباعا ويشقون طريقهم كل يوم في شوارع شهدت أحداثا غيرت مجرى الحياة لفترة مؤقتة، عندما سقطت هذه الشوارع بما تحمله من جوامع وبيوت دين دور عبادة بيد فئة احتلتها بقوة السلاح بحثا عن مريدين لمظاهرات انتهت مكتومة القيد مرفوضة مجتمعيا.