الكاتب : سها مصطفى

على اعتاب تغيير جامعي منتظر يبدو أن وسائل الغش لا يعدمها الطلبة، فالاستعدادات للامتحان بدأت بتركيب عدد من أجهزة التشويش في جامعة حلب ودمشق..لكن الفضائح المسربة الى الصحافة المحلية توضح أن الطلاب ماهم الا جزء بسيط من منظومة تعليمية بحاجة لاعادة النظر بأسسها بخاصة بعد فضيحة وزير التعليم العالي السابق غياث بركات عندما اشرف على بحث دكتوراة مسروق!

إلى داخل قاعة الامتحان كانت أجوبة اللغة الإنكليزية تصل لها تباعاً بترجمة حرفية لمختلف المصطلحات، نورما.م ’ترجمة تعليم مفتوح’ بهدوء وأعصاب باردة تمرست على المغامرة تقوم بتحويل رسائل لأختها خريجة الأدب الانكليزي التي تنتظرها في المنزل حاملة بيد جهاز الموبايل للرد على رسائل أختها وبيد أخرى المقرر الدراسي المطلوب’، نورما تبين لسوريا الغد أنها عند توزيع الأوراق الامتحانية ’أول ماتدسه بينها هو جهاز الموبايل الذي تضع ساعدها أمامه حتى لا يظهر للمراقبين أثناء تجولهم بين الطلاب، وتكتب الاسئلة التي لا تعرفها بسرعة في رسالة مستخدمة القلم الأزرق لنقر أزرار الخليوي، متظاهرة انها تقوم بالكتابة بشكل عادي على الورقة بين الحين والآخر’.

ترد نورما الطالبة الجامعية لجوئها للغش إلى أسباب تبدأ بما تصفه بـ’صعوبة الأسئلة والمقررات إلى عدم إيجاد وقتاً للدراسة’ على حد تعبيرها، وتلفت إلى أنها في إحدى المرات عندما عرفت جهازها على تقنية البلوتوث داخل الامتحان، فوجئت بتعرف جهازها على أكثر من جهاز مفتوح على التقنية نفسها وبعضها لأصدقائها داخل القاعة نفسها مستخدمين التقنية الأخيرة للنقل فيما بينهم’!

الحالة الأخيرة هي ليست الأولى في الجامعات السورية، أمام كشف كلية الآداب شبكة تتاجر بالغش، بتأجير سماعة البلوتوث للطالب الذي يبحث عن وسيلة للغش في الامتحان، وتؤمن في الوقت نفسه طالب آخر يقوم بمساعدته في حل الأجوبة خارج قاعة الامتحان.

سماح ’معهد الكترونيات’ تعترف أنها لجأت للغش، وذلك إما بالنقل عما يعرف بالـ’روشتة’ المتعارف عليها بين الطلبة السوريون كاصطلاح، أو بتبديل أوراقها الامتحانية مع أصدقائها، أو هناك طريقة ثالثة أكثر صدمة، تقول سماح’كنا نشتري الأسئلة من مدير المعهد الذي كان متساهلاً معنا، من خلال إحدى الفتيات من صديقاتنا التي تحضرها منه ونقوم بتوزيعها على مجموعة ضيقة من الاصدقاء’، تضيف’أحياناً كنا نحل الاسئلة التي ستأتينا وندرسها، وأحيانا كنا نكتبها لـ’ضيق الوقت’ على الروشتة، وكانت المساعدة متبادلة بيني وبين زملائي فهم يدرسون المواد النظرية وأنا أدرس المواد العلمية واللغة الإنكليزية ونتساعد بحل الأسئلة في الامتحان’!

ويستخدم الطلاب اصطلاحات تبرر الغش الذي سرعان ما ينكشف وإن بعد وقت، بدورها سماح لم تسلم من الضبط بالجرم المشهود، عندما قبضت عليها إحدى المراقبات في قاعة الامتحان وبين يديها محاضرة عن ’اللوحة الأم للكومبيوتر’ داخل الامتحان محملة كما هي عن الكتاب مصورة، تقول سماح بشيء من التفاخر’الورقة تحمل شرحا باللغة العربية وأصدقائي لم يجرؤوا على فتحها، لكنني عندما أخرجتها ضبطتني المراقبة، وجلست بجانبي فلم أتمكن من فعل شيء، لذلك حللت الاسئلة العلمية وخرجت من القاعة’!

اللافت أن معظم الطلبة يرد عدم الدراسة والغش إلى صعوبة الاسئلة وغلبة الجزء النظري عليها والافتقاد للتطبيق العملي، أو عدم توفر المختبرات والأجهزة الكافية التي تمكن الطلبة من التطبيق وفهم المادة فعلياً، وهي جزء من سلبيات يعج بها نظام التعليم العالي الذي يعج بحالات شراء المواد ماكشفه عدد من الطلاب باتصال مع عدد من وسائل الاعلام المحلية، وطبعا كل ذلك لا يشفع ولا يبرر الغش من مختلف الأطراف، غير أن سماح ’معهد الكتروني’ تبرر لجوئها للغش قائلة ’كنا نأخذ 5 دقائق تطبيق عملي على 3 حواسيب مخصصة لأربعين طالب حكماً لن نعرف كيف نطبق ماأخذناه في المحاضرات النظرية المطولة’!

أما د. د فقد جعلت صديقتها تنتحل شخصيتها مرتين لتقديم الامتحان عنها في اللغة الانكليزية لعامين متواليين، وتبرر ذلك بالقول’لن أتمكن من النجاح في اللغة الانكليزية سبق وأن قدمت المادة لأربعة دورات فصلية متتالية ولم أنجح، لذلك حكماً سأحتاج للمساعدة’!

الواحد للكل والكل للجميع!

مبدأ بسيط يحفظه بعض الطلاب عن ظهر قلب في القاعات الامتحانية حيث مايدعى ’التعاون واالمساعدة’ هو السمة الطاغية في الامتحانات للغش في المقررات المطلوبة، يمان ’تجارة واقتصاد’ يعمم الغش على مختلف الكليات ويعتبر أن الغش شيء طبيعي، ويقول ’المراقبون يسهلون ذلك، يقولون لنا: يمكنكم أن تغشوا ولكن دون إصدار أي ضجيج أو ضوضاء، وبالمقابل يقومون بتنبيهنا في حالة وجود تفتيش للقاعة من وزارة التعليم العالي، وهذا كي نأخذ حذرنا وهذا ليس فقط في كليتنا وانما في كل الكليات’.

عدا عن ذلك،’يتعاون’ يمان مع صديقه وهذا التعاون سيترك لمساته الواضحة بالمحصلة على درجات الاثنين المعلقة في لوحة العلامات، يقول يمان ’في حال لم أحضر إلى امتحان ما أو تغيب صديقي عن امتحان ما عند صدور النتائج يكون كلينا راسباً في المقرر الدراسي، لان كل منا يعتمد على الآخر’.

بدورها أتمتة الأسئلة، الأسلوب الذي اعتمدته جامعة دمشق منذ عدة سنوات كأسلوب لمنع الغش ولمنع الحفظ النظري لن يجدي نفعاً مع بعض الطلاب أمام امكانية التحايل عليه عبر ابتكار وسائل جديدة تواكب التطور العلمي الطارئ على طريقة الأسئلة والأجوبة، وسيم يكشف عن سهولة النقل في الامتحانات المؤتمتة باعتماد لغة الإشارة، ويقول’يتم وضعنا كمجموعة صف واحد عمودي من نموذج أسئلة واحد، ونعطي إشارة بأصابعنا للزملاء عن رقم السؤال، مثلاً السؤال رقم واحد ونحصل على الإجابة همساً فيما بيننا حين نضمن ان المراقبون لا ينظرون الينا’!

مجدداً

عند التجول في أروقة الجامعة ستلفت نظرك تلك الإعلانات المنتشرة على كل الجدران، محذرة من استخدام الموبايل تحت طائلة الفصل لأربعة دورات جامعية، رغم ذلك سيصل حجم ضبوط الغش التي بلغ عددها خلال الفصل الدراسي الماضي، 592 ضبطاً في كليات جامعة دمشق وتنوعت بين الغش باستخدام الهواتف النقالة، والأوراق المصغرة، وانتحال الشخصية، والتزوير ومخالفة أنظمة الامتحان وقوانينه، وضبط 272 حالى غش في كلية الآداب ’جامعة دمشق’ خلال الفصل الدراسي الماضي، ما دفع الكلية إلى تجربة أجهزة تشويش خلال الفصل الدراسي الماضي في ثلاث قاعات للامتحان، التجربة نجحت في خفض عدد حالات الغش، مادفع الكلية إلى تركيب المزيد من أجهزة التشويش ليبلغ عددها الآن 13 تقطع التغطية عن الهواتف النقالة خلال فترة الامتحان.

هدى. د تفضل اتباع طريقة أخرى في استخدام الموبايل للغش، طريقة لن تؤثر عليها شبكة التشويش، بـ’استخدام الموبايل لتصوير أوراق المحاضرات وتصغيرها على شاشة الكاميرا،وتصفحها مجدداً أثناء الامتحان’، اللافت أن الطلاب يستخدمون مصطلحات كالمساعدة وغيرها من المفردات التي تتحايل على كلمة الغش ولا توصفها حرفياً، وتصل إلى حد توصيف الغش بالـ’أمر الجميل’ وفقاً لهدى، دون الاعتراف بأنه بالنتيجة غش مهما اختلفت التوصيفات أو حالة اللامبالاة والجرأة التي بات بعض الطلبة يتفاخر بها اليوم!

دانيش يرفض النقل في الجامعة ويعتبره مرفوضاً ويقول ’أحد أصدقائي نجح في الشهادة الثانوية في كل المقررات، عدا مقرر اللغة الانكليزية بوضع سماعات في الاذنين يخفيها تحت شعره الطويل موصولة بالموبايل، استطاع ان يغش في مختلف المواد لكنه مع غياب الشاب الذي يساعده في مقرر اللغة الانكليزية رسب في السنة كلها عندما حصل على صفر في الإنكليزي، لذلك الافضل أن يعتمد على نفسه بدل تبذير الأموال والوقت’.

نتائج سوداء

بالنتيجة الواقع السابق هوز جزء من مشهد كامل قدمته دراسة ماجستير في جامعة تشرين يتتناول مدخلات ومخارج التعليم والجودة، والنتائج كانت كارثية لجهة الاستطلاع الذي تضمنته الدراسة التي قدمتها شهناز طرابلسية عام 2003 ، والذي حدد الازمات التي يعاني منها نظام التعليم بالحشو النظري والفقد للمختبرات والفقد لتحديث المعلومات المضمنة في المناهج، وبالاجماع على عدم ملائمة نظم الادارة الجامعية المطبقة وامكانيات وطرق تمويل التعليم العالي وسبل ترشيد الانفاق على التعليم العالي، ودلت الدراسة على وجود فروق مابين مستوى جودة الخدمة المقدمة للطلاب ومستوى جودة الخدمة التي تتفق مع توقعاتهم ورغباتهم في المناهج الدراسية وأداء اعضاء هيئة التدريس والكتاب الجامعي المستخدم واساليب التقييم المطبقة وملائمة اماكن التدريب والتدريس ونظم تقديم الخدمة للطلاب ورعايتهم، ووجود فجوة بين بين المستوى الفعلي للخريج الجامعي والمستوى المطلوب لسوق العمل، والاهم أن الدراسة كشفت الشريحة العظمى من فئة الادارة العليا في الجامعة ليست على المام كافي بمعنى الثقافة التنظيمية المطلوبة لنجاح تطبيق نظام إدارة الجودة الشاملة، وبالنتيجة تراجع البحث العلمي وتحول التعليم بالنتيجة الى تعلم من اجل النجاح مااعترف به تقرير التنمية البشرية عام 2004 دون تغير يذكر حتى الآن.