الكاتب : نضال الخضري

المسألة هي في تعليق الأمل على الضوء المقبل، فالحوار بذاته يمكن أن يصبح حالة اعتيادية، وهو بالفعل تفاعل طبيعي بين الناس، لكنه عندما يرتفع في "سلم المصالح" ويدخل في مجال السياسة فإن علينا الحذر، لأننا لا نتحدث عن نقاط التقاء وافتراق بل ربما عن "مجال حر" للتفكير وذلك بغض النظر عن أي موقف مسبق.

أحاول أن أضع "الحوار" في مساحة الإبداع وليس إقرار المطالب، فمن الصعب تخيل لقاء يصبح فيه الطرفين مطالبين بالتنازل كي نصل إلى منطقة موحدة، فهناك حالة تسبق عملية التنازل يصبح فيها أي شيء جائز في مساحة العقل والتفكير والبحث، وبعدها يمكن الحديث عن مسألة التوصل إلى قواعد مشتركة، فهل نملك مثل هذا الحوار؟!

منذ بداية الحدث السوري نحن أمام حركة "مطالب متدحرجة"، حيث لا يمكن فهم المستقبل إلا وفق العناوين العريضة، وباستثناء بعض الكتابات لكننا بالفعل نقف أمام حاجز حقيقي لا يوصلنا إلى مجال مفتوح للتفكير في "كيفية" تحقيق المطالب... ربما علينا التحرر من كل حواجز الماضي حتى نستطيع البحث والتفكيك لكل ما طُرح من مطالب سياسية هي في النهاية تحمل رسما مختلفا عما هو مألوف....

علينا أيضا أن نتحرر من تقليدية المرجعيات، فهل يصح تنظير المعارضة في الثمانينات على ما يحدث اليوم؟ وهل الكلام المصبوب على رؤوسنا من نشطاء حقوق الإنسان يحمل نفس الإيقاع لو سمعناه قبل ستة أسهر فقط؟ وفي النهاية هل الرايات التي رٌفعت في بداية الألفية الحالية عبر "المنتديات" يمكن أن تكون منطلق حوار؟ هي مجرد أسئلة على فرادة الحدث الحالي، لأننا لسنا في مرحلة "الإصلاح" وفق المنطق الذي ظهر في عام 2001، بل ربما نجتاز فترة زمنية في "إصلاح" الحراك السياسي المستقل عن الدولة، بعد ان خرجت الاحتجاجات دون إذنه وبشكل منفصل عنه وربما تقدم تصورا هو نفسه لا يريده.

نتحاور يعني أن نتبادل في وجهات النظر، ويفكر كل منا بآراء الآخرين، وربما ينفض الحوار دون نتائج في عمليات التفكير، فهل يمكن تحقيق هذا الأمر في ظل الظرف السوري الحالي؟ هناك شكوك حقيقية في أن الحوار بذاته يمكن أن يتخذ "موقعا سياسيا"، أو يصبح استقطابا سياسيا موجها للسلطة السياسية، وهناك في المقابل شكوك من أن تتعامل الجهات الرسمية مع "الحوار" على أنه استيعاب للمعارضة السياسية، فهل يمكن الانطلاق باتجاه الحراك السياسي بهذا النوع من التفكير...

مرة أخرى هناك اختبار حقيقي يقف فيه المجتمع وليس النشطاء أمام المستقبل السوري، وذلك بغض النظر عن القطبين الكلاسيكيين الذين يتم تداولهما في الإعلام: سلطة ومعارضة.. لأن المستقبل يحتاج إلى عملية تفكير حقيقي قبل أن تنطلق المواقف بشكل اعتباطي، فالحوار الوطني في النهاية هو كسر في مساحة التفكير تتيح إبجاد مسار لحلول إبداعية متعلقة بتلك المطالب التي يعتبرها البعض محقة، لكن الأهم من ذلك هو كيفية تحقيقها دون أن يكون الثمن هو المجتمع نفسه الذي واجه اضطرابات سعى البعض للتعامل معها وكأنها غاية بذاتها.