الكاتب : جورج حاجوج

على وقع ما يحدث في أكثر من بلد عربي، أطل هذه المرة الرئيس الأمريكي باراك أوباما ليمنح العالم المترقب والمنتظر بشوق ومعه وسائل الإعلام ومراكز الأبحاث والدراسات السياسية والاستراتيجية مضغة جديدة ليتسلّوا بها!.

45 دقيقة بتمامها وكمالها أنفقها الرئيس أوباما خلال كلمته قبل يومين، ليزود الحكومات والدول والمؤسسات بالتعليمات والتوجيهات المباشرة وغير المباشرة والتي عليهم الاقتداء بها والعمل في هديها في المرحلة المقبلة لما فيه صلاح وفلاح شعوب الأرض، في إنجاز حرياتها واسترداد أراضيها المحتلة وبناء ديمقراطياتها وتأمين مستقبل مزدهر لها وللأجيال القادمة، وهذا ليس مستحيل التحقق أبداً في نظر أوباما وإدارته، كما كان في نظر الإدارات الأمريكية التي سبقته، ولكن شرط أن يكون على الطريقة الأمريكية!.

هذه المرة أطلّ الرئيس أوباما "بحرص أشدّ!" مما سبق على الشعوب ومصيرها ومستقبلها، وكان واضحاً أنه، وفي خطابه هذا، أولاها عناية مختلفة عما سبق!.. قال لهم لكم حرياتكم أيها الشعوب، وخصوصاً العربية منها!.. أضاف أوباما مخاطباً الأنظمة والحكومات، وعلى وجه التحديد تلك التي لا تتوافق سياساتها واتجاهاتها أو لا تسير في مسار السياسات والمصالح الأمريكية و.. "الإسرائيلية": الأجندة الأمريكية ـ "الإسرائيلية" واضحة أيتها الحكومات، أيتها الأنظمة، ومن يرغب في الانضواء تحت مظلتها نال الرضا، ومن لا يرغب، فنحن هذه المرة نمدّ أيدينا للشعوب!!.

الإدارة الأمريكية تمد أيديها للشعوب؟!.. يا للمزحة السمجة والثقيلة!... هذا يعني، وببساطة، الحديث عن مصير أسود ونفق مظلم بانتظار الشعوب!.. إذ سبق للإدارات الأمريكية السابقة أن فعلتها ومدت أيديها "غير النظيفة" لـ "نشر الحرية والديمقراطية"، وشاهد العالم ما هي النتائج!.. الأمثلة أكثر من أن تُعد وتحصى، العراق مثلاً كنموذج للخراب الذي ما بعده خراب؟!.. أم أفغانستان أم الصومال أم السودان أم ما يحصل الآن في ليبيا؟!.

يعرف الغرب "الحريص!" عموماً، والولايات المتحدة الأمريكية "الأكثر حرصاً!" على وجه الخصوص أن الشعوب، كل الشعوب، تتطلع إلى الإصلاح والتغيير والحرية والديمقراطية، وتطمح إلى تأسيس حياة سياسية وفكرية وثقافية جديدة تسمح لها بإطلالة لائقة على العالم.. لكن، هؤلاء وعلى ما يبدو لا يريدون أن يعرفوا أن الشعوب قد سئمتْ وملّتْ وضجرتْ من محاولات تفصيل مستقبلها وحريتها ومصيرها وديمقراطيتها على الطريقة الأمريكية السيئة الذكر والصيت والسمعة، والأمثلة ما تزال حاضرة ومعروفة في أكثر من دولة في العالم!.

هؤلاء لا يريدون أن يعرفوا أن الحرية والديقراطية مطلب للجميع، ولكنها لا بد ستسير إلى خراب ودمار وعبث، فيما لو كان تحقيق هذا المطلب سيمضي وفق البوصلة الأمريكية ـ "الإسرائيلية".. أوباما أبدى "حرصه" على حرية الشعوب، ولكنه لم ينسَ أن يحذّر الجميع من مغبّة الاقتراب من "إسرائيل" و"أمن إسرائيل" و"يهودية إسرائيل"!.. لم ينسَ تذكير الجميع، أنظمة وشعوب، بأن لا أمل يرجى لكم حتى ولو استعنتم بمجلس الأمن وهيئة الأمم المتحدة وكل المنظمات الدولية والحقوقية و.. الإنسانية!.

الرئيس أوباما الحريص على الشعوب ـ ومنذ أن انشغل العالم به لحظة إطلالته على العالم كرئيس جديد للولايات المتحدة الأمريكية، والأهم منذ أن انشغل العالم العربي والإسلامي به، وتحديداً بوصفه باراك بن حسين!! ـ لم يأتِ بجديد يُذكر، إلا من بعض الاختلاف فيما يسميه البعض بالسياسة "الناعمة الملساء" تمييزاً له عن سلفه!.

يجب ألا ينسى أحد من الساعين وراء الحرية والديمقراطية ـ وهو مسعى مُحِق ومشروع ومطلوب ـ أن من أهم صفات الأفعى أنها "ناعمة وملساء"!!.