الكاتب : حسان عبه جي

بدت التظاهرات أمس في موقع جديد، فرغم أن "خارطة الاحتجاج" الجغرافية توسعت لكن مساحتها السياسية وربما الأمنية أخذت بعدا آخر، فمنذ مساء الخميس تناولت عدد من وسائل الإعلام موضوع "الحوار الوطني" والتحضيرات الخاصة به، كما نقلت الاتصالات التي يقوم بها بعض المسؤولين بشخصيات ونشطاء، في وقت تراجعت فيه حدة العملية الأمنية في كل من بانياس وحمص رغم أن الإعلام الرسمي نقل بعض الأحداث المتفرقة.

وكانت الدعوات على شبكات التواصل الاجتماعي تجددت إلى ما أطلق علية "جمعة الحرائر"، في نفس الوقت استعادت الضغوط الدولية نشاطها في مؤشر على استعداد واضح لـ"جمعة" جديدة ظهرت في تفاصيلها أكثر هدوءا من أي جمعة أخرى، فعدم التماس مع قوات الأمن وعدم سقوط ضحايا، رغم أن قناة الجزيرة تحدثت عن قتلى، طرح مسألتين أساسيتين:

الأولى اتخذ الاحتجاج بعده الواقعي فاتساع الرقعة لازمه انكشاف كامل لمسألة "الحجم العددي" الذي استقطبه، ففي الأيام الماضية كان "العنف" يطغى على موضوع "طبيعة التظاهرات" وقدرتها على خلق "إرادة عامة"، لكن بدء انتهاء العملية الأمنية التي شملت مناطق التوتر المسلح، أعاد الضوء إلى "الحجم الحقيقي" لهذه الظاهرة.

الثاني بدء تبلور الخطوة الأولى من مسألة الحراك السياسي، فمسألة الاتصال مع بعض "النشطاء" ربما لا تعني "الحوار الوطني" الذي تم طرحه والحديث عنه طوال الأسابيع الماضية، لكنها تشكل مرحلة "التحضيرات الأساسية" وربما تشكيل الأفكار التي يمكن من خلالها الانطلاق باتجاه تشكيل حراك سياسي مختلف يستطيع استيعاب النتائج المترتبة عن الاحتجاجات التي انطلقت قبل شهرين.

المواقف الدولية بقيت على نفس الإيقاع، لكنها في نفس الوقت انقسمت بشكل واضح، وظهر الحديث بشكل مباشر من قبل روسيا على الأقل في مسألة رفض التدخل بالشأن السوري، والتردد الدولي تجاه دمشق لم يعد يرتبط بموضوع العقوبات، بل بـ"تعريف" ما يحدث خارج إطار المصطلحات التقليدية، فمسألة "قمع المتظاهرين" لم تعد بالنسبة لبعض الأطراف الدولية مثل الصين وروسيا مقنعة، على الأخص أن العملية الأمنية واجهت عنفا مسلحا وهو ما دفع روسية للحديث عن "معارضة مسلحة".

يبقى الموقف التركي في هذا الإطار الذي خلق إشارات استفهام عديدة، على الأخص أنه لا يرتبط فقط بتصريحات رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، بل أيضا بالتحركات التي شهدتها تركية منذ الأيام الأولى للاحتجاجات حيث استضافت مؤتمرات للمعارضة السورية في الخارج، ورغم ان الرد السوري الرسمي لم يظهر بشكل واضح، إلا أنه ومنذ يوم الخميس فإن "إشارات" الإعلام السوري بدأت تطال السياسة التركية، في وقت شهدت السفارة التركية وقفات احتجاجية من قبل بعض السوريين، لكن عددا من المراقبين يعتبرون أن كل ما حدث لن يؤثر بشكل جذري على العلاقة بين البلدين، على الأخص أن موقف دمشق من هذا الموضوع مرتبط بطبيعة الجغرافية بين البلدين التي تفرض على الأقل تعاونا مشتركا، هذا إضافة للدور الإقليمي المشترك بينهما، حيث شكل بداية مختلفة لطبيعة السياسة الشرق أوسطية، وهذا الأمر يفسر الصمت السوري الرسمي حيال ما يحدث، على الاعتبار أن الظرف الحالي ربما يفرض شروطه على السياسة التركية.

لكن الجانب الأهم في سورية هو موقع الأزمة الحالية، فهي لم تنته وربما ستستمر بنتائجها لفترة تطول أو تقصر، لكن مفاصلها الأساسية باتت واضحة كما أن مسار تفكيكها ربما أصبح أكثر وضوحا، وهو ما يجعل الضغوط الدولية شأنا يمكن التعامل معه طالما أن الموضوع الداخلي موجود ضمن إطار واضح، والأسبوع القادم ربما سيكون حاسما على صعيد تبلور شكل الحراك السياسي الذي تراه الدولة مرتبطا في مسألة "الحوار الوطني".