الكاتب : ربى الحصري

خلال أسبوعين تجاهلت الحدث السوري الداخلي، وحاولت أن أعفي نفس من مراقبة التطورات إن وجدت، لأن السياسة الدولية كانت تتسارع بشكل غير مسبوق، فهناك كم من العقوبات وهو أمر متوقع وكم آخر من النصائح يدفع للاستغراب، ويدفع أيضا لقراءة هذا التفكير الذي ينساق بسرعة مع الحدث، وأحيانا أخرى يرى أن "النصيحة" بذاتها ستشكل حدثا جديدا يملك تداعياته الخاصة.

عمليا فإن النصائح لم تقتصر على الجار السوري تركيا التي لم تتوقف عن إرسال "مشورتها"" منذ اليوم الأول، لكن الأمر تجاوز السياسيين ورؤوساء الدول الكبرى، ودخلنا في نسق السياسيين المحليين وصولا إلى رؤوساء الصحف والمجلات اللبنانية، وبالتأكيد فإن الحكومة السورية ستجد نفسها بعد الأزمة مهما كانت نتائجها أمام مجموعة متناقضة من الحريصين على الشعاب والدولة والنظام، وفي نفس الوقت ستجد زاوية كبيرة يمكنها من خلالها تحليل المواقف، لكن المهم اليوم هو فهم أن النصائح غالبا ما تصدر باتجاه طرف معين، لكنها تصيب جهة أخرى وعلى الأخص المجتمع السوري.

بالتأكيد فإن الرئيس باراك أوباما أو رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون يملكون معطياتهم السياسية، وعدما يتحدثون عن سورية فهم ليسوا بحاجة لمبررات طالما أن سياستهم معروفة سلفا، لكن القضية تصبح أعقد عندما نواجه مواقف مماثلة إقليميا، وهنا لابد من الإشارة إلى أمرين:

الأول أن معظم النصائح التي خرجت إقليميا ظهرت مفصلة وذلك بعكس حديث أوباما او كاميرن أو حتى الرئيس الفنرسي نيكولا ساركزي، ففي الحالة الثانية هناك عناوين عريضة وتوجهات سياسية لا يمكن إخفاؤها، أما عندما يتحدث رئيس تحرير صحيفة متوجها بالنصح للرئيس الجمهوورية مباشرة فهنا علينا التدقيق بالتفاصيل التي تبدو أنها تطفو على السطح، وتسعى لرسم موقف تجاه كل الأطراف باستثناء السلطة السياسية في سورية.

في مثل هذه "النصائح" نحن أمام عدم قدرة في تحديد رؤية الطرف الذي يتبرع بالنصح، فهو لم يحسم "رهاناته" وغير قادر على المجازفة لا باتجاه الموقف الأمريكي ولا نحو الموقف السوري، مفترضا بذلك "حالة موضوعية" لكنها يستخدمها في مقالات الرأي، وهذا الواقع يجعل الإعلام عموما مصدر شك وقلق عوضا عن كونه مساحة حرة لمسألة الرأي العام.

الثاني في تحليل الخطاب الصادر ليس هناك اختلاف عن مثيله الذي ظهر في عام 2003 عندما كان المطلوب تغيير السلوك السوري، فاليوم هناك نفس الطلب سواء تجاه العلاقة مع إيران أو حزب الله أو حتى "التسوية" بشكل عام مضاف إليها مسألة "الرضوخ" لمطالب المتظاهرين المشتتين ما بين المعارضة التي نراها في بريطانية وكأنها "الوريث الشرعي" للحكم، أو تلك التي تظهر داخليا وهي تحمل معها شعارات مختلطة ما بين إسقاط النظام والتشرذم المذهبي وصولا إلى العنف المسلح.

هذه الصورة تجعل النصيحة حالة استباحة لكل المجتمع السوري، لأن هناك على ما يبدو "وصاية افتراضية" لا يخجل أي شخص في الدخول إليها مهما كان موقعه.