الكاتب : طه عبد الواحد

إحياء ذكرى النكبة بداية الاحتفال بالنصر والعودة

15 أيار 2011 يوم سيذكره التاريخ دون أدنى شك، فهو اليوم الذي نفضت الشعوب العربية فيه غباراً تراكمت بفعل السياسات العربية الرسمية وأثقلت على مسيرة النضال فأخفت معالمها وشوهتها وألغتها في بعض الحالات.

انتفض الجميع وفي طليعتهم اللاجئين الفلسطينيين في سورية ومعهم أبناء سورية الأحرار وإخوتهم اللاجئين ممن كانوا ضيوفاً على أهاليهم في سورية في ذلك اليوم، وقرروا الذهاب إلى الجولان لإحياء ذكرى النكبة على مقربة من الأراضي المحتلة. وكان هناك تحرك بنفس الحجم والأهمية في لبنان، وكذلك في مصر والأردن، إلا أن السلطات في البلدين الأخيرين حالت دون وصول الحشود الغاضبة والرافضة للاحتلال والخنوع له إلى المنطقة الحدودية، إلا أن هذا لن يقلل من أهمية ذكرى النكبة التي تحولت إلى فاتحة صفحة جديدة مشرفة من النضال خطها الأبطال بدمائهم.

"ما جرى هو رسالة وقد وصلت، رسالة للكيان الصهيوني الذي راهن على أن الشعب الفلسطيني مع تقادم الأجيال سينسى أرضه ولن تعود فلسطين تشكل وطناً في ذاكرة الأجيال الشابة، كما كانت تشكل لدى الأجيال التي عاشت النكبة. نقول لهذا الكيان إن رهانه فاشل ولن يحقق النجاح أبداً. وها هو الجيل الرابع ومعه الجيل الخامس من الشباب الذين وُلدوا خارج فلسطين، وبعد أكثر من ستة عقود على النكبة، ها هم يخرجون ويفاجئون العدو بسلاح لم يتوقعه، بصدورهم وأرواحهم، عزلاً وقفوا في مواجهة آلة الحرب الإسرائيلية بكل قوتها".

هذا ما قاله الجريح عدنان الملقب (أبو العمرين) الذي أضاف في روايته لتفاصيل ما حدث على الحدود مع الجولان المحتل: "اخترقنا الحواجز بانفعال عفوي، أمتار قليلة بقيت تفصل بيننا وبين قطعة أرض عربية محتلة.

فقررنا اجتياز الدرب مهما كانت مخاطرها لنصل إلى مجدل شمس الأبية. جرى كل شيء دون تفكير ودون قرار بل بدافع داخلي دفين يحركه الشوق للوطن والتعطش للحرية والنصر وكسر شوكة المحتل. دخلنا الأراضي المحتلة وهناك صلينا ركعتين، وحتى من لم يصلي منا قبل ذلك ركع معنا وقبل تراب الأرض العربية الطاهرة. وهنا أود توجيه تحية إكبار لأهالينا في مجدل شمس الذين استقبلونا على الفور وأقاموا مشفى ميداني عالجوا فيه جراح وآلام الشباب الجرحى والذين تأثروا بالغاز المسيل للدموع. أمنوا لنا الحماية ورفضوا أن نمر عائدين قبل أن يبتعد جنود الاحتلال مسافة بعيدة جداً عن درب عودتنا. لقد استعدنا السيطرة العربية على قطعة أرض محتلة لمدة ست ساعات، وهذا عمل لم يسبق أن أنجزته الجيوش العربية مجتمعة على مدار العقود الماضية. هذه البداية وسنكررها ليعلم الجميع..سنرجع".

دار هذا الحديث مع أبو العمرين في السادس عشر من أيار اليوم الذي شهد تشييع شهداء ذكرى النكبة، شهداء العودة، إلى مثواهم الأخير في مخيم اليرموك في دمشق. من كان حاضراً يدرك على الفور هؤلاء الأبطال خطوا بدمائهم صفحة جديدة من النضال الوطني وأعادوا النبض للشارع الفلسطيني والعربي ككل. خرج الجميع لتحية الأبطال، خرج الجميع لوداعهم وليؤكدوا تمسكهم بالحقوق التي ضحى هؤلاء الشباب بأرواحهم من أجلها.

يصعب تقدير عدد المشاركين في التشييع الذي كان أشبه بثورة عارمة، فالحشود من المخيمات الفلسطينية ومن المدن السورية امتدت على طول شارع اليرموك من مقبرة الشهداء في آخر المخيم وحتى مدخل منطقة الزاهرة.

ما ميز مشهد التشييع ويحمل أكثر من دلالات، أمرين: شكل الشباب الذين تتراوح أعمارهم ما بين 16 و 25 عاماً الجزء الأكبر من الحشود، والأمر الثاني رفرفة العلم الفلسطيني ومعه أعلام كل الفصائل والقوى الفلسطينية دون استثناء في آن واحد، تلتف كلها لتحتضن علم فلسطين ويحتضنها. في دلالات مشاركة الشباب يمكن القول إن المشهد جاء ليؤكد بأن شباب فلسطين ومعهم إخوتهم شباب سورية، لم ينسوا قضيتهم وحقوقهم، وهم في الواقع قنابل مؤقتة بانتظار الظرف المناسب ليتفجروا غضباً في وجه العدو. وما زال الشباب يحمل هذه الراية فلا خوف على الحقوق العربية مهما طال الزمن. أما الأمر الثاني فإن مشاركة الجميع في الإطار الفلسطيني الموحد تؤكد أنه لا يمكن استعادة الحقوق والأرض المغتصبة دون وحدة وتماسك القوى الفلسطينية كلها وإن اختلفت أيديولوجياتها ورؤاها لكيفية استعادة الحقوق.

لقد ضخ الأبطال الذين سقطوا في الجولان المحتل وفي جنوب لبنان وداخل الأراضي الفلسطينية، ضخوا دماءهم في الشرايين الفلسطينية والعربية وأعادوا النبض إلى قلوب المناضلين، وبهذا المعنى فهي دماء أكثر من طاهرة وستبقى في شرايين كل مناضل حر أبي على درب استعادة الأراضي العربية المحتلة كاملة دون فصل أو استثناء وإعادة الحقوق لأصحابها. وبهذا فإن بسالتهم وشجاعة كل من خرج ليعلن عن تمسكه بالثوابت الوطنية والقومية عمل سطر صفحة جديدة من التاريخ ووجه "رسائل إلى القيادات العربية المتخاذلة لتستيقظ قبل فوات الأوان، وتحية إلى الشعوب والقيادات العربية المناضلة التي تستمد الجماهير المناضلة القوة منها" حسب تعبير أبو العمرين الذي أكد ،حاله حال كثيرين مم تبادلنا أطراف الحديث معهم، أن إحياء ذكرى النكبة هذا العام بداية الاحتفال بالنصر والعودة واستعادة الحقوق كاملة، وبأن الأحد 15 أيار 2011 بداية المسير نحو العودة الحتمية.