الكاتب : حازم خضر

مع دخول الاحتجاجات أسبوعها العاشر وتحولها الى فوضى عارمة في بعض المدن والبلدات السورية ترافقت مع سقوط ضحايا في صفوف الجيش والأمن والمتظاهرين بات الدخول في الحوار الوطني مهمة ملحة ليس للدولة المعنية ،أولا وأخيرا ، ببسط حالة الأمن وضمان سلامة مواطنيها بل أيضا للشخصيات الوطنية الحاملة أفكارا أو مشاريع للحل تحت سقف الوطن ، والمحددة بالحفاظ على الوحدة الوطنية وثوابت الشعب ومكتسباته على مدى أكثر من ستة عقود.

كل هؤلاء مدعوون اليوم للالتقاء بحثا في مخارج للحل من حالة فوضى بات من الواضح أن أطرافا خارجية تريد تأجيجها، والذهاب بسورية بعيدا جدا عن تطبيق أي مشروع إصلاحي ،مما أقرته الدولة وتعمل عليه، أو ما يطلبه السوريون من نظامهم السياسي ضمن مطالب أقرتها الدولة، وسارعت للعمل عليها منذ اندلاع أولى أشكال التظاهر منتصف آذار / مارس الماضي.

وإذا كان الدور الأساسي تلعبه الدولة في الدعوة الى طاولة التحاور وتحديد الشخصيات الواجب مشاركتها ،وهم كثر في واقع الأمر وبعضهم لديه أفكارا وبرامج عمل إصلاحية وطنية لا تشوبها شائبة الارتهان للخارج ،وحملت أفكارهم المنشورة في الصحف قيمة فكرية عالية لا بد من النقاش بها ضمن البحث عن مخارج من محاولات استهداف سورية التي بلغت مرحلة متقدمة بعد العقوبات الأمريكية والأوروبية، والتحركات الجارية في العديد من العواصم للتضييق على البلد ومحاولة فتح باب التدخل الدولي في شؤونه الداخلية في تكرار لسيناريوهات جرى ويجري تطبيقها في العديد من الدول العربية.

وإذا كنا لم نألف حتى اليوم مصطلح المعارض في خطابنا السوري الداخلي لوصف العديد من الشخصيات، فإن الإصلاح السياسي الجاري العمل عليه يتضمن بالضرورة خطوات متقدمة للاعتراف بتلك الشخصيات وربما بعد فترة بسيطة بأحزاب تنضوي تحت إطار المعارضة ما ينظم الحياة السياسية للبلاد بعد مرور فترة طويلة كانت تلك الحياة حكرا على /البعث/ وأحزاب الجبهة الوطنية التقدمية التي لم تقدم شيئا في إطار تنظيم الطاقات السياسية للسوريين.

وبالتالي لا يستقيم الحوار الوطني ، مثلا ، عندما يقوم بين البعث كقائد للدولة والمجتمع مع أحزاب الجبهة باعتبارها كانت على الدوام في ظل /البعث/ وتقوم بدور في إدارة الدولة التي تحتاج اليوم إلى تطوير وإصلاح يتطلب السماع لأفكار الآخرين من شخصيات سياسية وفكرية ودينية معروفة للشارع السوري بأسره ولا تحتاج في واقع الأمر إلى كثير من البحث عنها.

المهمة ليست يسيرة بالتأكيد وخصوصا في ظل حالة الفوضى الضاربة في بعض المناطق السورية وتكشف ملامح التدخل الخارجي . لكنها في المقابل لا تحتمل التأجيل مهما كانت الأسباب . فالدخول الى طاولة الحوار مهمة بالغة الأهمية على مستويين : تفكيكا للحالة المعقدة التي بلغتها حالة التظاهر غير الشرعي اليوم مع وجود قانون للتظاهر السلمي ومع سقوط ضحايا في كل يوم جمعة وأيضا مع ظهور حالات المسلحين الذين يستهدفون الأمن والمتظاهرين على السواء. والمستوى الثاني بعيد المدى يتعلق برسم آفاق الإصلاح السياسي ويؤسس لحالة متقدة بالسعي لتحصين البلد ومنعته خصوصا بعدما ظهر التدخل الخارجي جليا ودون رتوش مع عقوبات واشنطن وبروكسل وظهور تحركات باتجاه مجلس الأمن الدولي.

الشخصيات الوطنية مطالبة اليوم بتحمل مسؤولية تاريخية بعيدا عن شكاوى مزمنة ولا تفيد اليوم أحد وبالتالي هم مطالبون أيضا بالعمل على تحقيق تلك الأهداف التي لا تخص الحكومة فقط بقدر ما هي مهمة وطنية الجميع مدعوون للارتقاء الى مستوى التحدي لإخراج سورية مما يحاولون رسمه لها.