الكاتب : ربى الحصري

الروايات الإعلامية تملك من القسوة ومن القدرة على رسم جملا تقريرية بشكل يدعونا للشك بكل القواعد التي تدرس للإعلاميين، فنحن لسنا أمام روايتين بالشأن السوري بل أمام مساحة تناقض تدعو بالفعل للاستغراب فما بين الرواية الرسمية وما ينقله البعض على الفضائيات انعدام لنقاط التقاطع، فهناك حدث ما جرى في مكان ما أما التفاصيل فيمكن أن نتجاهلها لأن المسألة على ما يبدو تتعمد "التناقض" الصارخ.

ما حدث في جسر الشغور يمكن ان يشكل مثالا صارخا، حيث تم "ضرب طوق" على ما قبل هذا الحدث، رغم ان هناك أخبار متناثرة ظهرت قبل يومين عن مهاجمة مخافر للشرطة في محيط المدينة، وبعدها تظهر تلك الرواية التي تتحدث عن "ثورة أمنية"، فهل تملك منطقة جسر الشغور كل تلك القوة التي يمكن ان تخلق ثورة؟ وهل التكوين السكاني في شمال سورية بعيد عن تلك الأحداث؟ والسؤال الأخير هل المسألة العشائرية التي ظهرت في أنطاليا لا علاقة لها بما يحدث الآن؟

هي مجرد أسئلة يتم تجاوزها وبشكل سريع، وكأننا أمام وصف "جريمة محلية" وليس حدثا كبيرا جدا مرتبط بمصير البلد، وربما بأسرع مما نتوقع كان التكذيب في بعض المحطات وحتى "شهادات" ظهرت وكأنها موجودة في منطقة الحدث، رغم انها تتكلم من بعد آلاف الكيلومترات عما يحدث في جسر الشغور.

بالنسبة للمواطن العادي هناك أسئلة استفهام لا تشبعها الروايات التي تنقلها الفضائيات، فهي تغرق بالتفاصيل لدرجة يصعب تصديق ما يقدم له، فالرواية "الفضائية" كاملة على نحو يثير الريبة، في المقابل فإن الرواية الرسمية تطوف في عمومية ما يحدث وكأن المواطن لا يملك ذلك القلق الذي يدفعه للخشية على "وحدة البلد"، فهي رسالة طمأنة لكنها تقدم ربما عن غير قصد خوفا وربما شعورا بهواجس كثيرة وبخوف لم يشهده المجتمع من عقود.

الرواية الإعلامية العقلانية هي التي تعرف أن الكثير من التفاصيل لا يمكن الوصول إليها، وأن الحديث عن سورية لا يمكن أن يصبح نوعا من وصف "القتل بدم بارد"، فالمسألة ربما تكون اعقد بكثير، وهي أيضا ليست رهانا على رأي عام ومن يستطيع جمع التفاصيل التي بثتها الفضائيات ربما يدرك أن ما يحدث اليوم ربما لن يرسم مصير سورية فقط لأنه لا يجري على "إيقاع ثورة" أو حتى "مؤامرة".. فهل نستطيع الحديث بعد ذلك عن تجربة صياغة إستراتيجية جديدة لسورية.

ما أعرفه على الأقل أن أطراف المعادلة كما ينقلها الإعلام هي في النهاية نوع من التخمين فقط، فنحن على سياق جديد، وربما قفزة مختلفة عما خبرناه سابقا في سورية، فحتى الأطراف الدولية تملك توجهات مختلفة حتى ولو اتفقت على "إدانة النظام"، وربما لأول مرة نشهد حالة لا يمكن مقاربتها بأي مساحة تاريخية سابقة.