الكاتب : حسان عبه جي

فيما تنقل الأخبار الواردة من جسر الشغور عن معارك حقيقية لم تشهدها مناطق اخرى في سورية، فإن التحرك السياسي الدولي يرمي بمعظم أوراقه في محاولة إرباك واضحة لسياسة دمشق تجاه الأزمة التي تعيشها، وكان ملاحظا وعبر وسائل الإعلام "تجاهل كامل" للرواية الرسمية، وعدم التطرق لنوعية العنف الذي ظهر قبل توجه الجيش للمنطقة، في وقت طلبت فيه واشنطن سورية بدخول الصليب الأحمر إلى المناطق التي تعاني "أزمة إنسانية" حسب ادعائها.

وحسب بعض التقارير فإن "معركة جسر الشغور" ربما تشكل نقطة العبور إلى مرحلة مختلفة من الأزمة السورية، حيث تعتبرها بعض الأوساط التي ساهمت في دعم مؤتمر انطاليا الاختبار الحقيقي للمعرضة في "إحراج السلطة السورية" وخلق منطقة خضراء على الحدود مع تركية التي انعقد فيها المؤتمر، وفي حال ظهور مثل هذه المنطقة فإن تركيا ربما تلجأ إلى دعم المسلحين وتوفير غطاء لهم وتسهيل خدمات لوجستية مختلفة، ورغم ان البعض يستبعد دخول تركيا مباشرا لكن الواضح من التصريحات التركية محاولات لتهيئة رأي عام لأي احتمال تدخل قادم، وهو أمر ربما يفتح بوابة جديدة على الوضع السوري.

وتبدو احتمالات التدخل التركي ولو بصورة غير مباشرة مثار اهتمام واضح كونها ستشكل دوليا البديل لتدخل دولي ربما يدفع لاحتمالات إقليمية لا يرغب بها الأوروبيون المتورطون أصلا في صراع داخل ليبيا عبر عمليات الناتو، لكن الاحتمالات القادمة تخضع لثلاث عوامل أساسية:

الأول أن الأوراق التركية في الشمال السوري تبدو مختلطة، فالعلاقة ما بين تركيا والتكوين السكاني لا تملك نسقا واضحا على الخص مع تواجد مختلط يشكل فيه الأكراد نسبة لا بأس بها، لكن الرهان التركي ربما ينطلق من محاولة فرض أمر واقع على تلك الجغرافية التي شهدت توترات سابقة ما بين أنقرة ودمشق، وهو ما دفع الأتراك إلى تلغيم الحدود، وفي مرحلة الانفراج السياسي ذهبت تركية باتجاه البحث عن مشروع تنظيف هذه المنطقة من الألغام، فاعتبار المناطق التركية الداخلية قاعدة خلفية لأي عصيان مسلح يبدو أمرا لا يخلو من المخاطر بالنسبة للسياسة التركية عموما.

الثاني هو انقسام الموقف الدولي ولو على صياغة القرار المرفوع ضد سورية إلى مجلس الأمن، فهذا الانقسام لا يعكس فقط وجهات نظر بين الدول الأعضاء بل أيضا توجهات إستراتيجية متضاربة، فالموقف الروسي ربما لن يقف في وجه أي قرار جديد، لكنها سيشكل اختراقا له على الأخص في حال التدخل المباشر أو غير المباشر من تركية.

الثالث يرتبط بنوعية العصيان المسلح الذي على ما يبدو يحاول اقتحام المدن كما حدث في جسر الشغور ومعرة النعمان، وهو مؤشر واضح على أن تركية ستضطر إلى احتضان تمرد وليس "منطقة خضراء" واضحة المعالم كما حدث في بنغازي بليبيا، وهذا الأمر سيشكل حالة متعبة بالنسبة لها نظرا لعدم حصول التمرد على شرعية شعبية قادرة على فرض واقع سياسي، فطالما ان تمرد يتحرك على الحدود وفي جبل الزاوية فهو سيكون متعبا لسورية لكنه لن يشكل بديلا للنظام السياسي.

الاحتمالات السابقة لا تشكل "كبحا" للدور التركي، لكنها تعتبر عوامل أساسية في التطورات القادمة، على الأخص أن خسارة سورية بالنسبة لأنقرة ستشكل اضطرابا في دورها الإقليمي الذي انكفأ من جديد باتجاه طرح مبادرات لإثبات الوجود السياسي فقط كما حصل في ليبيا، فما يحدث اليوم هو ليس اختبارا لقدرة سورية على ضبط الوضع بل محاولة لاختراق سيادتها من مناطق يعرف السوريون أنها شكلت عبر التاريخ الحديث خطوط توتر منذ الاستقلال وحتى نهاية تسعينيات القرن الماضي.