الكاتب : ظافر الجنابي

منذ بداية الاحداث في سوريا , حرصت الاطراف العراقية , رسمية وحزبية , على تأكيد دعمها لسورية وحرصها على استقرارها , حتى تلك التي كانت الى وقت قريب تهاجم سوريا وتتهمها بدعم المجموعات المسلحة في العراق .

ولم يفاجيء هذا الموقف المراقبين , اذ ان الاحداث الاخيرة في سوريا , جاءت غداة مرحلة تمكنت فيها دمشق من امساك معظم خيوط اللعبة في العراق بيدها , ونسج صلات وثيقة مع مختلف الاطراف العراقية , حتى المتحاربة منها , وخاصة بعد الدور الكبير الذي لعبته دمشق في عملية تشكيل الحكومة العراقية , وتقريب وجهات النظر بين الاحزاب العراقية وخاصة بين ائتلافي ’دولة القانون’ بزعامة رئيس الوزراء الحالي نوري المالكي وائتلاف العراقية بزعامة اياد علاوي , وهو الدور الذي ادى – بالاشتراك مع الدور الايراني بالطبع – الى ولادة الحكومة العراقية الحالية برئاسة المالكي وبالاشتراك مع كتل اخرى اهمها كتلة علاوي .

والحق ان دمشق كانت تمتلك منذ البداية علاقات جيدة مع الاحزاب والمجموعات التي وجدت في سوريا ملاذا وداعما لها بعد احتلال العراق , وجمع بين الطرفين رفض الوضع القائم في العراق بعد الاحتلال الامريكي
, وهكذا احتضنت سوريا اضافة الى المعارضة وحزب البعث العربي الاشتراكي بجناحيه عزة الدوري ومحمد يونس الأحمد ، ف العديد من التيارات السياسية الأخرى منها المؤتمر التأسيسي ومكتب هيئة العلماء المسلمين بدمشق ومجالس عشائر العراق وحزب البعث (جناح سوريا) إضافة إلى عدد كبير من السياسيين والعلماء وضباط الجيش السابق والأجهزة الأمنية.

كما تتواجد في دمشق الجبهة الوطنية والقومية والإسلامية والتيار القومي العربي والجبهة الوطنية والديمقراطية، إضافة إلى جبهات المقاومة وهي المجلس السياسي للمقاومة العراقية وجبهة الجهاد والتغيير والقيادة العليا للجهاد والتحرير والخلاص الوطني وأسست جميعها عام 2007.

وتعتبر سوريا منذ العام 2003 ملجأ للكثير من الشخصيات المعارضة للعملية السياسية ونظام الحكم الحالى فى العراق من قادة أحزاب وهيئات سياسية ذات توجهات مختلفة، وأبرز تلك الجهات حزب البعث الذى يعد محظوراً وفقاً للدستور العراقى.

كما ان دمشق تمتلك علاقات جيدة مع احزاب من داخل العملية السياسية في العراق بعد الاحتلال , وهي احزاب ذات توجه قومي وعلماني , تجاهر بمعارضة ومعاداة الدور الايراني في العراق مثل الحركتين اللتين يتزعمهما اياد علاوي وصالح المطلك , وكلا الرجلين بعثيان سابقان , وقد ائتلفا فيما بعد في كتلة العراقية بقياد ة علاوي .

وقبل هذا , فان سوريا احتضنت الأحزاب والقوى المعارضة للرئيس العراقي الراحل صدام حسين وفي مقدمتها حزب الدعوة الإسلامية – الذي يتزعمه المالكي الان - والمجلس الأعلى الإسلامي -الذي يتزعمه حاليا عمار الحكيم- والحزبين الكرديين بزعامة جلال الطالباني ومسعود البارزاني، والحزب الشيوعي العراقي الذي يترأسه حميد مجيد موسى إضافة إلى شخصيات سياسية أخرى, ولكن معظم هذه الاحزاب لم تكن على علاقة جيدة مع سوريا بعد عودتها الى العراق , وامساكها بالكثير من مقاليد القوة والسلطة فيه , فاصبحت هذه الاحزاب تتهم سوريا بتشجيع الارهاب في العراق , ووصل هذه الاتهامات ذروتها في وزارة المالكي الاولى , حين اتهم سوريا بشكل صريح ومباشر بالوقوف وراء مجموعة من التفجيرات التي استهدفت عددا من الوزارات العراقية , ووصل الى الامر الى المطالبة بمحاكمة دولية لسوريا .

ولكن كل هذا التوتر اصبح من الماضي , وتغيرت الامور جذريا بعد الدور الذي قامت به دمشق في تشكيل الحكومة العراقية , واصبحت جميع الاحزاب العراقية تقريبا تحرص على ان تحتفظ بعلاقات ودية مع القيادة السورية , ولذلك لم يكن مفاجئا ان يسارع رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي مع بدء الاضطرابات في سوريا الى ارسال وفد لتاكيد دعمه لسوريا واستقرارها .

بالطبع , فان الشعور بمدى اهمية وقوة الدور السوري في العراق , ومدى التاثير الذي تتمتع به دمشق على الساحة العراقية , هو عامل مهم في الموقف العراقي الجديد , ولكن عاملا اخر لعب دورا في صياغة هذا الموقف .

فقوى عراقية هامة قلقة من أن يؤدي تغيير الاوضاع في سوريا , لا الى فقط نشوء منطقة مضطربة جديدة بجوار العراق المضطرب اصلا , ولكن الى بروز قوى طائفية مضادة في سوريا تؤدي الى تفاقم التوتر الطائفي في المنطقة وجلب المزيد من المشاكل للعراق بوضعه الجديد .

وهذا ما عبر عنه بصراحة سياسيون عراقيون مثل القيادي في المجلس الإسلامي الأعلى جلال الصغير , الذي أعلن أنه يعارض التغيير في سوريا خشية وصول السلفيين الى السلطة، مؤكدا أن هذا سيجعل ’المشكلة الطائفية تتعاظم’ في المنطقة, وبحسب الصغير فانه ’يجب ان يؤخذ في الاعتبار ان العراق سيكون اكبر المتضررين من عدم استقرار الاوضاع في سوريا’.

من جانبه أعرب خالد الاسدي القيادي في حزب الدعوة الإسلامية والنائب عن ائتلاف المالكي عن قناعته بأن ’معظم ما يجري في سوريا مُفتعل، وليس شيئا جذريا أو أساسيا أو شعبيا، مئة بالمئة’ , وقال الاسدي ’نعتقد بأن تدخلا او تحريضا طائفيا او عنصريا في الوضع سيمس القضايا العربية الأساسية، ويؤثر علينا في العراق بشكل مباشر’.

لذلك لم يكن من المستغرب أن تكون الزيارة الاولى لوزير الخارجية السوري وليد المعلم بعد الاحداث هي الى بغداد , حيث سمع تأكيدات رئيس الوزراء العراقي حول حرص العراق على استقرار سوريا وتحقيق الإصلاحات التي من شأنها المساعدة على تحقيق الأمن والاستقرار, ودعوته إلى تنشيط التعاون الاقتصادي والتبادل التجاري بما يحقق مصلحة البلدين والشعبين الشقيقين.

التوجه السوري الى العراق مفهوم في ظل حاجة دمشق الى تعويض التحالفات والعلاقات التي انتهت او فترت او ضعفت مع حلفاء هامين لدمشق , بسبب المواقف من الاحداث في سوريا , والاشارة هنا بشكل خاص الى كل من تركيا وقطر , بتوطيد العلاقة مع العراق الجار والشقيق الذي كانت دمشق تدعو منذ زمن الى شراكة ستراتيجية معه , لما فيه مصلحة البلدين .

وبين العراق وسوريا ملفات اخرى , لعل ليس من أقلها ملف اللاجئين العراقيين في سوريا , الذين تشير أرقام المفوضية العليا لشؤون اللاجئين إلى أن عدد المسجلين منهم لديها فى سوريا، وصل وفقاً لأحدث إحصائية إلى ما لا يقل عن 140 ألفاً، لكن أرقام الحكومة السورية تشير إلى أعداد أكبر من ذلك بكثير باعتبار أن القسم الأكبر من العراقيين لم يسجلوا أسمائهم لدى مفوضية اللاجئين.

العلاقة بين سوريا والعراق ينطبق عليها المثل الذي يقول , ما محبة الا من بعد عداوة , والمحبة هنا هي الاصل , واما العداوة – ان كان يصح ان تسمى كذلك – فعارض زائل , وعسى ان تدوم المحبة.