الكاتب : سها مصطفى

مثقفونا الديمقراطيون جدا هموا بركوب موجة ’الربيع العربي’، لكن رائحة هذا الربيع لا تشبهه، رائحته حبلى بالصديد والدم... نعم إن التغيير يستدعي دما وتضحية، أيضا إن ’الثورة ’إن جاز التعبير تأكل أبنائها، لكنها لسبب ما هنا تقيأتهم!

المثقفون السوريون كما العرب دخلوا حفلة البازار الثورجي في خطب نارية ساخطة، تعيد فلفشة الماضي وعداوات الكار والمواقف السياسية لتختلط ببعضها وتصنع مزيجا من التقية الثقافية الحداثوية!

ساحات الوليمة واسعة ومستمرة بالانهمار من اعلام وتلفزيون وصفحات فيسبوكية نمارس عليها برستيج المعارضة، متوهمين بحقبة جديدة لتصفية أحقاد وصفحات قديمة لما تطوى بعد في دخيلة ترى بالآخر ’شبيحا’ً، وتخشى على ذاتها من ’اندساسها’، نغسل في خضم أوارها يدينا من كل صلاتنا السابقة والحالية من أي مفهوم للدولة التي باتت اليوم موضع شبهة!

من الدولة ورموزها من مؤسسات أمنية وجيش و حتى وزارات بمختلف أشكالها الثقافية..

المثقفون كـ’نخب’ تمددوا اليوم الساحة مفتوحة لهم اليوم للإدلاء بدلوهم، أحد المخرجين ستتبوأ صفحته موقفه من’النظام’، بفخر يستعرض المقالة المعنونة بـ’مخرج بارز يهاجم السلطات السورية’ المنشورة على أحد الصحف العربية.

صحافي آخر لن تكون جنسيته موضع جدل بالنظر لتاريخ دمشق الموغل بجنسيات عربية منكوبة ومنكسة على أعقابها، الصحافي الكاتب في جريدة السفير اللبنانية سيقفز فوق جثامين شهداء الجيش والأمن، لا مشكلة هي حرية التعبير والمواقف، لكن ثمة صمت مطبق سيلف أفواههم ويبتلعها.. ثمة سقوط لذاكرة النكبة والنكسة.
فيما بيروت تحتفي بهالا العبد الله التي كانت تهيب بالشباب السوري بالثورة من منزلها في فرنسا، وتقفز فوق رفض مشاركة جود سعيد من إدارة مهرجان مرسيليا فقط لأنه وقع على بيان سينمائيين الداخل الرافضين لأي تدخل خارجي.........عذراً مثقفينا الديمقراطية لم تمر من هنا!

صفحاتنا الفيس بوكية تعطلت مكابحها وتوقفت مطولا عند حكاية أحمد بياسي وحكاية فيديو البيضا ببانياس، علما أنه ’بغض النظر عن مدى صحة الشريط من عدمها’، ماحدث في البيضة هو كمين آخرللجيش سيغطى عليه نشر فيديو افتراضي يضع المجرم في خانة الضحية، ماذا بعد؟!

مخرجة وشاعرة سبق لها أن ’تكرمت’ بالشكوى لأحد ألوية فرع الأمن ضد صحافي بسبب حصوله على صفة مراسل إخباري لجريدة لبنانية بارزة، لا لشيء فقط لأن ديمقراطيتها لم تسمح لها باحتمال أن ينشر الصحافي الأخير مقالا ينتقد فيه مهرجانا ثقافيا يولمه أحد أقربائها سنويا!

مخرجتنا الوثائقية هذه يتم تقديمها بطريقة يقينية عن انها أهم شاعرة بناء لقول منسوب لشاعر أفريقي ما، اليوم تتفضل وتتكرم علينا بشتائم عن ماتصفه بـ’همجية الأمن السوري ولا ديمقراطيته’، علما أننا لسنا في موضع الدفاع عن الأمن أو نقاش تصرفاته...فيا سبحان مغير الأحوال!

مثقف آخر ...سبق له أن رفض بمزاجية بيان رفع يد أحمد الأحمد عن مؤسسة السينما، اليوم يمضي بقناعة وابتسامة هنية راضية على بيان سمير العيطة الذي كان في وقت مضى أحد الاستشاريين لدى النائب الاقتصادي الدردري، وسيمضي موقعا على بيان العيطة رئيس تحرير اللوموند ديبلوماتيك الذي لا يمتلك وقتا للرد أو قراءة الاعتراضات على البيان الذي قدمه، رغم أنه استطاع أن يلاحظ جيدا الخريطة المذهبية الطائفية التي نشرتها البي بي سي على أثيرها أثناء مقابلته، والتوقيع سيكون مشفوعا بمعارضة خارجية لاتعرف مايجري بالداخل وأكثر ربما لا ترغب بمعرفته..

مخرجو دراما أخرون كانوا سباقين إلى تنظيم مظاهرات الشموع للحداد على أرواح شهداء ليبيا، مثل حاتم علي لن نسمع منهم تعليقا على التحريض والتجييش الإعلامي الذي تمارسه فضائيات البترودولار ومكاتبهم وشركات الإنتاج التي يرتبط حبل سرتها بها، لذا من السهل تناول ليبيا والقذافي وطبعا على الطريق سوريا... وعدم التعرض بتاتا للبحرين وللسعودية وقطر.

بدوره يحيى جابر من لبنان سيستمرمن بيروت بقصف مباشر لكل رموز الدولة السورية، كيف لا وهو مستكتب الحريري في جريدة المستقبل، يحيى ينادي بالحرية في سوريا لكنه لاينبس ببنت شفة عن مظاهرات حزب التحرير ومجازر وادي خالد في تلكلخ أو مسلحو المستقبل، بدوره مالك جندلي سيقتفي أثر نزار قباني مستحضرا قصيدة الديك من واشنطن، علما أن ’الديك’ هذا لم يمانع تكريمه من الرئيس بشار الأسد سابقا، لكنه وتحت مقتضيات المرحلة سيسير على خطا معارضته السلف!

أدونيس بدوره عندما ذرى نبوءته أن أي تمرد مسلح قد يودي لحرب أهلية، قامت قيامة الكائنات الجاهلية عليه واتهموا صاحب الثابت والمتحول بأنه يرائي السلطات السورية التي هي لاحظوا جيدا الاصطلاح’من أبناء جلدته’ على حد تعبيرهم، وذلك للتغطية عن مواقفهم المذهبية فهم لسبب ما عجزوا عن إدانة استشهاد 120 عنصرا من الأمن في جسر الشغور!

هي ثقافة غسل الدم بمزيد من الدم على أمل أن تجب كل دفعة ماقبلها في ثقافة التقية!