الكاتب : سورية الغد

هي بالفعل مشكلة وربما علينا بعد انتهاء الأحداث في سورية تعلم طريقة الكتابة على الهواء، أو "حفر الفراغ" ليس بسبب الخوف أو الفزع من الرقابة بل لأن حركة الانتشار هي التي تدفعنا لتحميل ما نريد من كلمات أو أفكار كي تسبح مع "النسمات" دون حاجة لمؤسسات أصبحت تحمل بصمة لا نستطيع التحرر منها، ففي مسألة الكتابة على الهواء خلاص من "المدونات المجانية"، وبالمناسبة نحن لم نسأل عن سبب هذا التسهيل المقدم على الإنترنيت، ولكن لنساير "الموجة الثالثة" التي على ما يبدو قيدتنا بحدود من نعرفهم، فأصبحت الكلمات تسير باتجاه أصغر دائرة، وأصبح المدون فخورا بكتاباته التي وفرت له مساحة اعتبارية داخل الدائرة الأضيق.

لكن من سيتحمل مسؤولية الانتشار أو النشر في "الإعلام العام" أو "Mass Media"؟ وكيف ستنتهي "صناعة الخبر" للتوازن مع مسألة "الرأي" وكتاب الأعمدة الذي كانوا يعيدون تشكيل الرأي العام؟ في الإعلام الحالي تبدو المعادلة مرتبطة بـ"كم المعلومات"، ويوازيها مسألة "البرامج الحوارية"، وهو أمر لم ننتبه إلى نوعية الخلل الذي يفرضه إلى في أحداث "الثورات العربية"، لأن التوازن في المساحة الممنوحة للمتحاورين أو المداخلين لا يمكن مقارنتها بنوعية الدفق الإعلامي، ولكن هل هذه المعادلة تعبر عن خلل في علاقة الإعلام مع المجتمع؟

السؤال يتطلب النظر إلى أمرين: الأول أن اعتماد المعرفة فقط على الإعلام، وتكوين الرأي من نوعية المعلومات التي تصلنا هو أمر لا يمكن الوقوف في وجهه، لكن في المقابل فإن التوازن الاجتماعي في أوروبا وأمريكا ودول شرق آسيا استند أساسا إلى المؤسسات التربوية والمعاهد العلمية، كما يعتمد على طبيعة تعامل المجتمع مع منظمات المجتمع المدني، وهو امر يفرض التوازن في مواجهة "الطغيان" الإعلامي.

الأمر الثاني هو أن مسألة النشر والانتشار هي التي فرضت اجتماعيا على الأقل مسألة التدوين، والمواقع الإلكترونية الإخبارية أو تلك المتخصصة بالرأي، لكن هذا الأمر لم يكن قادرا أيضا على الحد من قدرة نفوذ المؤسسات الكبرى وهو ما دفع في كثير من الأحيان لظهور منظمات المجتمع المدني المتخصصة، والحركات الثقافية التي تشذ عن القاعدة وهي بالمناسبة تظهر داخل أروقة الجامعات وليس في الحواري أو الأزقة أو حتى بعيدا عن المؤسسات العلمية.

بالتأكيد هناك عدم توازن إعلامي... ومنذ أحداث الحادي عشر من أيلول كان هناك عودة للبحث عن منافذ في ظل عدم القدرة على النفاذ إلى الرأي العام نتيجة دعم "الرواية الرسمية" بمجموعات وسائل الإعلام الكبرى، وهنا لا نقصد بالرواية الرسمية التشكيك بالهجوم على برجي التجارة في نيويورك بل مجمل الروايات التي ظهرت بعدها لتدفع الولايات المتحدة إلى احتلال العراق، فالعالم عمليا يخضع اليوم لرسم سياسي من الصعب اختراقه نتيجة طبيعة المؤسسات القائمة ابتداء من الأمم المتحدة وانتهاء بأصغر منظمة لحقوق الإنسان، لذلك فاقتراح الكتابة على الهواء ليس طرفة بقدر كونه تعبيرا عن الأزمة.. أخيرا، وليس إنقاصا من قيمة أحد أو انتقادا من النشطاء في سورية أو أي بلد آخر، فمن يريد اختبار صعوبة الكتابة على الهواء أو سهولة الدخول في السياق العام فليسجل اسمه في "قوائم المعارضة" وليشاهد نوعية الانتشار أو الأبواب المفتوحة له....