كلما استعد يوم للوداع...طرح الغد بعضا من شروطه وخاصياته واستدعى الحفاظ على البقاء التغير مع الشرط الجديد، بما يحمل من خصوصية معطياته، لاستيعابه ولتوظيفه في سيرورة الحياة المستمرة.
التغير وليس التبدل هو شأن أساسي من الأفعال الدالة على الحياة، والتشابه شكل من أشكال السكون الميت والمميت.

والتغير هو فعل تطوري يعتلج في الفكر ويتبدى في الشكل والممارسة عبر مراحل نضوجه. هو تطور في الملمح لا في الزي وإضافة في الذهنية لا تحوير على اشكال مختلفة للفعل ذاته.

إن الذهنية القادرة على الحياة تستدعي تبني المستقبل واستشراف موقع لها في معادلته وتتطلب بعدا في النظر يتجاوز أصابع القدمين وقلقا مهجوسا بالغد لا يستنزف مرحلته.

ينفلت الأمل من بين أصابع صفعة العيون المفتوحة كل يوم ويختنق الواقع في الرئتين خلف شبابيك الوعي الموصدة.

لا يمكن لمجتمع ان يصنع تغيره إذا لم يمتلك ثقافة تغيير تراكم أفعال افراده في سياق حركته. و لا يمكن لمجتمع أن ينتج شكله طالما اغترب فعله الثقافي عن وسائل انتاجه.

إذا لم تستطع الرؤية الثقافية للمستقبل ان تشكل مصدرا معرفيا لرؤى أفراد مجتمعها، فقد المجتمع شكله وسمته وتباين افراده في التماهي مع هويات لا تنمي لزمانها ومكانها، واصبح التغير فعلا يلامس الشكل ولا يمتلك المعرفة ولا الوعي القادرين على النهوض بأدوات التطور المجتمعي.

وكنتيجة للفصام القائم بين آليات الانتاج الثقافية وأدوات الفعل الاجتماعي يأتي التغيير في مجتمعنا فاقدا لمحتواه التطبيقي وعاجزا عن امتلاك كم حقيقي من هذه الأدوات تعبر عن تطوره النظري، فتبقى الأدوات ضائعة الانتماء الزماني مستقية سلطتها المعرفية من الخطاب السلفي المتجذر في تاريخها.

تستدعي الحركة النهضوية بالضرورة تنسيقا وتلازما في الفعل بين الجهات المستشرفة لملامح هوية مجتمعها التي تؤمن ارتقاء سويته الفكرية بما يضمن تحقيق مصالحه وصناعة ملامحه.

لذلك عندما يقدم وزير أو مدير جديد على تغيير كامل طاقم إدارته دون أن تضاف ذرة من آليات العمل المؤسساتي إلى "مؤسسته" فإنه يكرس السكون عبر أدوات مختلفة الشكل ليس إلا.
وعندما ينبري تاجر لمشروع صناعي يوظف له جمهرة من المناصب والمسؤوليات المخصية في حضرة "اطلاقية معارفه" فإنه يكرس الدكان الأزلي القابع فيه مهما كبرت مساحته وازداد عدد صبيانه.

كذلك هو الحال عندما تدخل التقانة إلى كل مؤسسة ولا تجد منفذا لدخول عقول أفرادها، فتغير في أدواتهم ولا تغير في ثقافاتهم وآليات انتاجها.

تحتار الصفات أيها تنتقي لعنونة مجتمع بعضه يعيش في الماضي زيا وقناعة وفعلا واستقبالا للآخر، وبعضه يعيش نهشات مما يراه من ثقافة مجتمعات أخرى يلملمها من على شاشات تلفازها فيتشبه بها ولا يشبهها. وفي النمطين ترى مقاومة داخلية للتغيير وضياعا في الهوية.

يستبدل الجلباب بربطة عنق ويبقى الخطاب مشدودا بحزم إلى الوراء، يتغير الكرسي الذي تجلس عليه في حضرة تاجر القوافل و الذي أصبح "نيو" رجل أعمال لكنّ الخازوق العثماني لا يتغير، يتغير مورد الهوية بين الآخر الماضوي والآخر الأجنبي وتبقى خطوط انتاج الثقافة متوقفة في عطلة "العيد" الطويلة.

إن إنتاج التغيير هو إنتاج لثقافة المجتمع التي ،في حيويتها ، تهضم في داخل هويتها مستجدات احتياجاتها وثقافات الآخر ومتغيراتها الداخلية والخارجية لتعيد انتاج ذاتها بشكل يؤمن ارتقاء أفرادها ويحقق مصالحهم. إن استرجاع التراث كسلطة معرفية والتواصل مع ثقافات العالم على مبدأ الرفض أو التماهي هو التقاء لساكنين لا ينتج عنه إلا إدغام هوية المجتمع وضياع أدوات انتاجه المعرفية في ضمير غائب منفصل عن أشكال الحياة المعاصرة واستحقاقاتها.