أبلغ رئيس لجنة التحقيق الدولية ديتليف ميليس مجموعة من المسؤولين اللبنانيين والدوليين خلال الأيام القليلة الماضية، مجموعة عناوين تخص عمله في المرحلة المقبل. أكد أولا انه سوف ينتهي من كتابة تقريره قبل العشرين من الشهر المقبل، وأن ما سوف يسلمه إلى مجلس الأمن الدولي بواسطة الأمين العام للأمم المتحدة سوف يعد منه نسخة ثانية إلى السلطات اللبنانية المختصة. وهو يقصد هنا السلطة التنفيذية المتمثلة بالحكومة ووزارة العدل والنيابة العامة التمييزية، أي الجهات التي كانت ترعى الاتفاق الموقع بين لجنته وبين الحكومة اللبنانية. وانه بدأ عمليا بتسليم ما لديه من ملفات تعود الى القضية موضوع التحقيق الى النيابة العامة التمييزية التي أحالتها الى المحقق العدلي الياس عيد المنشغل في متابعة ترجمة الكثير من هذه الملفات وبمتابعة تحقيقاته الخاصة. كما ابلغ ميليس من يفترض انهم معنيون بأنه يستعد للسفر مع فريق اساسي من المحققين والخبراء لإعداد التقرير النهائي خارج لبنان وانه سوف يعود قبل ان يسافر مرة جديدة. وان مهمته تكون قد انتهت عند تسليمه تقريره وانه بحسب الاتفاق المعمول به وفقا للقرار الدولي 1595 فإنه يعود الى القضاء اللبناني امر متابعة التحقيقات، وانه يعود الى الحكومة اللبنانية طلب أي مساعدة اضافية او جديدة من المجتمع الدولي.

كذلك شرح ميليس لمن رغب في السؤال ملحاحا عن زيارته الى دمشق، انه لم يجد التعاون الذي كان ينتظره. فهو اولا لم يتمكن من مقابلة كل من كان يريد مقابلتهم، ثم ان المقابلات جرت بحضور مسؤولين سوريين إداريين وقانونيين وربما امنيين ما جعل التحقيق يتحول الى مقابلة اكثر منه الى استماع او استجواب. وان طبيعة الاجراءات جعلته يعتقد بأن من الصعب في هذه الظروف إجراء التحقيقات اللازمة في دمشق. واستبعد المستمعون الى ميليس او المدققون في عمله ان يسافر مرة جديدة الى سوريا إلا إذا حصل تطور فرض هذه الزيارة. وان هذا التطور يمكن ان يكون على شكل طلب سوري منه لتقديم المزيد من المعلومات التي يعتقد ميليس انها موجودة في العاصمة السورية.

في مقابل ذلك كان ابرز ما دفع القيادات السياسية اللبنانية الى متابعة ملف التحقيقات بصورة مختلفة عن السابق، هو ما اعلنه وزير العدل شارل رزق حول ضرورة بقاء اللجنة او بعض فريقها لمساعدة القضاء اللبناني. وهو ينطلق في هذا الموقف من المعطيات التي توافرت لديه بعد مقابلته ميليس وبعد الاجتماعات التي عقدت بين لجنة التحقيق والفريق القضائي اللبناني، وحيث يبدو الاتجاه واضحا الى ان ميليس سوف يعلن ان تحقيقاته تقود الى الاشتباه بدور ما لمسؤولين سوريين ولبنانيين في عملية اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وان هؤلاء الاشخاص يجب توقيفهم وإخضاعهم لآلية من التحقيق تختلف عن آلية الاستماع التي حصلت في حال مثولهم امام لجنة التحقيق كشهود. وان تقرير اللجنة سوف يتضمن آلية من العمل ووقائع ومعطيات لن تكون هي كل ما توصلت إليه اللجنة وليست هي كل ما سوف يشكل الدلائل التي يجري على أساسها التثبت من تورط هذا الفريق او ذاك الشخص بالجريمة.

لكن موقف رزق عكس قلقا سياسيا بالدرجة الاولى، وهو عبّر عنه بطرق مختلفة ابرزها قوله ان ما بين يدي ميليس يمكن ان يتحول الى كرة نار لا يقدر احد في الجمهورية اللبنانية على حملها وحده. وهو بادر الى الكلام العلني عن ضرورة استمرار عمل اللجنة الى جانب التحقيق اللبناني بموازاة إثارته الموضوع مع كبار المسؤولين، وذلك انطلاقا من أن آلية العمل في المرحلة المقبلة تقتضي درجة عالية من الدقة والموضوعية التي ربما يصعب توافرها في المؤسسات اللبنانية كافة، خصوصا في ظل أجواء التشكيك الدائمة بقدرات المؤسسات الامنية والقضائية اللبنانية، وهذه الشكوك تصدر من الفريق السياسي القابض على مؤسسات السلطة الآن لا من غيره. عدا عن ان وزير العدل يعرف ان هناك عملا دؤوبا في الأمم المتحدة وفي عواصم القرار للذهاب نحو إجراء او قرار يصدر عن مجلس الامن الدولي بما خص مرحلة ما بعد التقرير، وخصوصا ما يتعلق بقرار انشاء محكمة دولية.

وفي هذا السياق، تبدو كلمات ميليس المقلقة التي بثها في آذان عدد من الشخصيات اللبنانية، ومن بين هؤلاء وزير العدل، تتعلق بما يعتقده المحقق الدولي، الذي يعرف ان من يريد ان يتابع ما بدأ به هو يحتاج الى آلية عمل غير متوافرة في لبنان. وهو هنا يقصد، من دون ان يقول، ان أي اضافة في عمله ولجنته تتطلب تعديلا في القرار الدولي، ما يعني ان تقريره سوف يشير الى صعوبات على ثلاثة مستويات:

إعادة الاشارة الى وجود شهود رئيسيين لبنانيين وغير لبنانيين لا يمكن لهم ان يفصحوا عن هويتهم أمام المؤسسات القضائية والامنية اللبنانية، ما يعني انهم بحاجة الى حصانة ذات طابع دولي حتى يمكنهم التقدم بشهادتهم وهذا يعني ان احتمال حصول ذلك يتطلب قيام محكمة دولية.

إعادة الاشارة الى الصعوبات التي تواجهها المؤسسات اللبنانية لناحية حاجتها الى آلية عمل مختلفة من دون ان يشكك بقدرتها على متابعة التحقيق، الامر الذي يدعو ضمنا الى فرض المزيد من الرقابة الدولية على عمل هذه الاجهزة وإخضاعها لوصاية او مراقبة خلال عملية <<إعادة التاهيل والتجهيز>>.
الاشارة الى ان اشتباهه بمسؤولين سوريين يتطلب خطوة قضائية سورية بتوقيف هؤلاء في ظروف تسمح للمحكمة او للمحققين بمتابعة العمل معهم في ظل مناخات مختلفة عما هو قائم الآن. وبالتالي فإن أي مذكرات توقيف دولية بحق هؤلاء يجب ان تصدر من مدع عام يعمل في محكمة دولية، وهو الامر الذي يعني ايضا ان بمقدور ميليس نقل الموقوفين الحاليين في بيروت الى المكان الذي يراه مناسبا في أي دولة اخرى في العالم.

ولذلك، فإن ما يشير إليه ميليس غمزا، يعكس مرة جديدة منهجه في العمل، وهو سوف يظل يلعب على فكرة وحيدة تقول بأنه يجب منحه الوقت الكافي من دون أي ضغط، وأن حصوله على قرار بمحكمة دولية سوف يتيح له فرصة التحول من محقق دولي الى مدّع عام في هذه المحكمة، وسوف يواصل من هذا الموقع عملية التحقيق وفق ما يراه مناسبا بصورة اكبر، خصوصا انه لا أحد يشير بقوة الى انه حصل او كشف عن ادلة صلبة تسند رواية محمد زهير الصديق وآخرين من الشهود المكتومين.

مرة جديدة سوف تكون البلاد رهن الخطوات التالية لميليس، وهل هناك في العالم من بلد تتصرف فيه قواه السياسية بأمورها الرئيسية وفق ما يحدده محقق؟

مصادر
السفير (لبنان)