عندما فغر رئيس "الشاباك" الجديد فاه وبسط للمرة الاولى نهجه للاعلام، أظلمت العيون مرة اخرى، فنفس التفكير المُستحْجِر، ونفس القسوة الصامتة والمتعجرفة، ونفس السطحية التي تدعو الى اليأس. يبدو أن الرأس لم يُستبدل، الاسم وحده استبدل.
ديسكن، "شاعر الاغتيالات"، من مفكري الإعدام بلا محاكمة، وهو الرجل المتوج بتاج "موجِد طريقة الاغتيالات"، ما يزال يؤمن من أعماق قلبه أن القتل الكثيف بحسب قوائم مُعدة هو كل شيء. إنه غارق في اعتقاداته الى حد أنه لا يميز، وتبجحه بـ"نجاحات" اغتيالات منظمته يبدو أجوف عندما يصف على مسامع المراسلين تعاظم "حماس" الذي لا نظير له في السابق. انه عمى قلبه عن فهم الواقع الى حد أنه لا يثور في ذهنه أنه هو وسلفه قد أسهما أكثر من كل شيء في تعاظم "حماس". فمن اغتيال الى اغتيال لا تتوقف قوتها عن التعاظم.
ولكن عدا الاحباط والكآبة اللذين ينبغي استخلاصهما من جلالة مكانة المرء الذي يملك الزناد، يحسن أن نتنبه الى نقطة اخرى بعد، منسية قليلا: هناك خط مستقيم واضح يصل "سياسة الاغتيالات" وديسكن هو نبيها وصائغها، بقضية قسم التحقيق الشرطي واغلاق ملفات التحقيق في 13 حادثة موت عنيفة.
"الشاباك"، وديسكن، وديختر، هم اولئك الذين رسخوا قاعدة أن "المشتبه فيهم" العرب، يجوز اصطيادهم. منذ اللحظة التي طلبوا بها، وحصلوا على نحو رسمي وعلني، على الإذن بالقتل بلا محاكمة، لم يعد هناك احتمال بعد لوقف الطوفان. الإعدامات أخذت تطغى، وأخذت تتسع دائرة العمليات التنفيذية. فالجنود، الذين لا يزال حليب أمهاتهم على شفاههم، رُوّضوا ليكونوا مغتالين بدم بارد. والطيارون تربّوا على أنه يجوز، وينبغي، ومن الاخلاقي، قصف العشرات من أجل اصابة فرد. فالحزّة على البندقية، وتأكيد القتل على بُعد الصفر أصبحت علامات شرف مأمولة. لأن الحكومة، و"الشاباك"، و"الديسكنيين"، قرروا أنه يجوز. وعلى آثارهم - والويل للحياء - سار ايضا عدد كبير من الأبقار القضائية عمياء.
شاركت الشرطة ايضا في الاحتفال. فالوحدات الخاصة، والمستعربون، وحرس الحدود، و"الصيادون" المُجَّلون مع بنادق القناصة، نفذوا هم ايضا سياسة الموت هذه. أزهرت "نظرية ديسكن" وعظمت. كان للموت حكومة.
وآنذاك جاءت أحداث تشرين الاول. لم يكن ارتياب عند الشرطة الذين خرجوا بإزاء متظاهرين بالسلاح الحي أن العرب هم العرب أنفسهم، وأن الوحدات الخاصة هي الوحدات الخاصة نفسها. فلماذا يعدلون عن السياسة المأخوذ بها؟
لا شك عندي أن الدهشة هي التي تملكت الشرطة عندما طُلب اليهم فجأة أن يقدموا الحساب. وعندما اضطر قسم التحقيق الشرطي ايضا بأن يجعل من نفسه محققا في كل أحداث الموت هذه، قامت "نظرية ديسكن" بإزاء ناظريه. تحقيقات الموت هذه جرت بنفس النشاط الذي لم تجر به تحقيقات الموت لبضع مئات من العرب آخرين أطلقت الشرطة عليهم النار، كما حرس الحدود في الضفة والقطاع. ولماذا يُحقَق؟ فبعد موتهم يرفعونهم الى درجة مخربين، أو مساعدي مخربين، أو مطلوبين كبار، أو محرضين، أو مخططين وينقضي التحقيق.
وعندما يُطلب الى محكمة العدل العليا أن تُدلي برأيها في تفاهة تحقيقات قسم التحقيق الشرطي واستنتاجاته، ينبغي أن تزن ضم استئنافين لمباحثة مدروسة واحدة: استئناف عائلات قتلى تشرين الاول الى الاستئناف القديم والمُبعد على قانونية "سياسة الاغتيالات"، لأن الأمرين متصلان بعضهما ببعض.

مصادر
صدى البلد (لبنان)