لم تكن هناك قدرة على إيقاظ "الدفين" أكثر من الإقدام على "الموت"، فما حدث بالأمس ليس واقعة سياسية بامتياز بل أيضا سابقة للدلالة على أن ما يحدث لا يرتبط فقط بالحدث السياسي إنما بالسياق العام الذي بات يحكم سورية والشرق الأوسط.

دون تكهنات أو تتبع روايات ... لأن ما حدث لم تكن تسبقه سوى الآلية الإعلامية اللبنانية على وجه التحديد في "كشف" أو "اكتشاف" أو إعادة "خلق" الماضي. فإذا كان سبب "الانتحار" كما تدل المؤشرات برنامج على فضائية لبنانية، فإن الإعلام تسبب بالفعل في انتحار عدد كبير نفسيا على الأقل دون أن يقدموا على تصفية أجسادهم بشكل مباشر.

الحدث سابقة ... والانتحار مهما كان الشخص الذي يمارسه يدفع الجميع للاستيقاظ والتفكير بما جرى، دون محاولة التأويل واقتباس الروايات، لأن التقدم نحو الموت يرسم في النهاية حائطا تقف دونه العديد من الروايات. وربما لا نحتاج لتتبع مسار التحليلات حتى نعرف ماذا يحدث في سورية، فمن يعيش فيها يعرف أن المسألة لا تحمل "مؤامرات" من زمن السلاطين، وان الانكشاف الإعلامي في العالم لا يتحدث عما يجري أو يتوقع ما سيحدث، بل هو أيضا يحول مسار التفكير ويعيد تشكيل الرأي العام في كل لحظة.

والحدث أدهش الجميع ... ليس في توقيته فحسب بل في القدرة على بناء حبكة متكاملة عليه، في تصوير استباقي ينقل صورة عن المجتمع السوري وكأنه "يتفرج" وينتظر ما تسفر عن الأحداث أو صراعات. وإذا كانت "الحبكة" مرتبطة إلى حد بعيد بهذا الحدث لكنها تكشف أننا عندما "نندهش" لا ننطلق إلى مرحلة لاحقة، بل نبقى مندهشين وكأن الصورة النهائية هي التسمر وراء التلفاز لمتابعة "المصير الافتراضي" الذي يشكله المحللون.

ما نفكر فيه هو أهم مما يحدث، لأنه يشكل ردة الفعل الحقيقي على ما نواجهه من استحقاقات، لذلك فإن فعل الدهشة والانتقال من محلل لآخر ربما يتطلب جهدا عصبيا بينما يسترخي العقل وراء هذا الكم من الآراء التي تحاول رسم مستقبلنا.

إذا بقيت "الدهشة الاجتماعية" فلن نستغرب لأننا مندهشون منذ سقوط غرناطة وحتى سقوط بغداد، تاركين العبث للمحافظين الجدد والقدماء ومفترضين أن الدهشة قادرة على قلب الزمن والعودة للوراء، بينما تشرق الشمس من جديد، ويبقى الحدث مجالا للتفكير في المستقبل بدل الجمود واستذكار الجنة المفقودة.

مصادر
سورية الغد (دمشق)