في وسع الحكم في سوريا القول إن الدعوات التي تضمنها <<إعلان دمشق للتغيير الوطني الديموقراطي>>، قد تحققت بالفعل وإن اصحاب الاعلان يرفضون الاعتراف بما هو في حكم الامر الواقع. وفي وسعه التأكيد ايضا ان مجمل المبادئ التي يحملها الاعلان لا تختلف كثيرا عن تلك الواردة في مقررات المؤتمر العاشر لحزب البعث العربي الاشتراكي.
بل إن الطموح الى تشكيل ائتلاف وطني يتولى الاشراف على الحوار بين مكونات الشعب السوري قد خرج الى حيز التطبيق منذ اكثر من ثلاثين عاما وتجسده الجبهة الوطنية التقدمية التي تضم يساريين وناصريين وبعثيين، تماما كما يوجد بين موقعي الاعلان يساريون وناصريون وبعثيون (سابقون). وإذا كان من اعتراض على ضيق قاعدة الحكم فإن الجبهة قد وسعت هذه القاعدة بضم الحزب السوري القومي الاجتماعي اليها قبل شهور. بل في وسع الحكم الرد على الايحاء الذي يحمله بيان التأييد الذي اصدره <<الاخوان المسلمون>> وتبنوا فيه الاعلان، بالقول ان الحكم في دمشق يتمتع بدعم قوي من شخصيات اسلامية لها باع طويل في المجال الفقهي والشرعي وإن <<الاخوان>> ليسوا في احسن الاحوال الا فصيلا اسلاميا صغيرا تسبب بصراع دموي في البلاد ولا معنى لأي حوار معه، وهو الذي اعترف في اكثر من مناسبة بإجراء اتصالات مع قوى خارجية، غربية وعربية تضمر العداء والشر للحكم السوري.

إذاً، التحالف المزمع اقامته موجود ما يوازيه، بل ما يفوقه سعة وتنوعا في السلطة. لذا، لا يمكن فهم مطالب <<الاعلان>> وخصوصا الزعم بأن <<عملية التغيير قد بدأت>> وبيان <<الاخوان>> المساند والتوضيحات التي كان من المفترض ان تصدر في مؤتمر صحافي تم إجهاضه، وتشدد على الطابع السلمي والديموقراطي لكل تحرك يصب في اطار التغيير، الا كإسهام في حملة الضغوط الاميركية الاسرائيلية على سوريا لفرض تنازلات ترمي في المقام الاخير الى تجريدها من أي عناصر قوة في مجال الصراع العربي الاسرائيلي وفي سبيل تحجيمها اقليميا ومنعها من اداء أي دور من لبنان الى العراق. وإن ما تضمنه الاعلان ليس الا رغبة مفضوحة من موقعيه في الاستيلاء على السلطة ورمي الحكم بتهم نقص الشرعية وهي التهم التي تنطبق اول ما تنطبق على المعارضة صاحبة السجل الطويل في الفشل في بناء أي نوع من انواع القواعد السياسية او الشعبية.

ثمة مسألتان يقتضي الانتباه لهما: الاولى هي ان كل معارضة سياسية في العالم تحتوي على عناصر شَبَهٍ قوية بالسلطة التي تعارضها. وفي حال المعارضة السورية، يتجاوز الشبه طبيعة التحالفات والقوى القائمة به وحتى الشكوك المبررة في سعة القاعدة التمثيلية (هل يجوز الحديث عن اختلاف جذري في الخلفية الفكرية وفي الرؤية الى عالم اليوم بين وصال فرحة بكداش ورياض الترك، الموزعين بين عضوية الجبهة الوطنية التقدمية وبين الموقعين على <<الاعلان>>، على سبيل المثال لا الحصر؟)، ليصل الى اعتماد منطق المتناقضات: النظام فئوي، اذاً يجب ان ندعو الى الانفتاح. الحكم شمولي، عليه ينبغي ان نكون من المطالبين بالديموقراطية... بما يفتح الباب واسعا أمام نقاش الخيارات الوطنية الكبرى واعتبار كل ما رسخ على مدى عقود، من أفكار النظام الحاكم. وهذه تجربة باشرتها المعارضة العراقية ولم تخرج منها بعد، على رغم تسلمها الدولة.

المسألة الثانية تقوم على اعلان بداية <<عملية التغيير>> على مستوى السلطة والنظام ينطوي على اعلان غير مباشر بأن التغيير قد بدأ في المعارضة ايضا حيث كل عملية من هذا النوع هي طريق ذو اتجاهين، وإطلاق أي دينامية سياسية يفترض ان يؤدي في الدرجة الاولى الى تغيير اصحابها وبرامجهم ورؤاهم الخارجة من السكون الى الحركة. وهذه الاخيرة هي المختبر الاخير في تجارب التغيير، والفيصل في احكام النجاح او الرسوب في لعبة مرايا السلطة وتغييرها.

مصادر
السفير (لبنان)