دخل مصطلح الإصلاح, وصفاته ومجالاته المتعددة ـ السياسية والدينية والأخلاقية والاجتماعية والثقافية والإعلامية والتعليمية ـ إلي دائرة الموضات الفكرية.
دخل مصطلح الإصلاح, وصفاته ومجالاته المتعددة ـ السياسية والدينية والأخلاقية والاجتماعية والثقافية والإعلامية والتعليمية ـ إلي دائرة الموضات الفكرية, وأصبح المفردة الأكثر شيوعا في لغة الصحافة والخطابات السياسية الحكومية, والمعارضة. ثمة موجات من تدافع اللغو والاضطراب المفهومي, والنزعة البيانية في توظيفات الإصلاح, الذي بات, وكأنه في ذاته يحمل حلولا سحرية لكل مشاكلنا وهمومنا المعقدة التي أنتجتها سياسات الفساد السياسي والاقتصادي والإفقار وتحقير المعرفة في بلادنا طيلة العقود الماضية.
فمنذ بداية عصر النهضة في نهاية القرن التاسع عشر كان الهم الرئيس للنخب العربية هو الإصلاح سواء الإصلاح السياسي أم الإصلاح الديني أم الإصلاح الثقافي وقد نهض بذلك رجال مصلحون من أمثال جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وعبد الرحمن الكواكبي. واستمرت شعلة الإصلاح يحملها مفكرون مستنيرون من أمثال طه حسين في مصر وجميل صدقي الزهاوي في العراق وعشرات غيرهم في كل أنحاء العالم العربي.
.. وفي بداية النصف الثاني للقرن العشرين ومع سيطرة الفكر الشمولي لم يكن لهذا المصطلح مكانٌ في عقول المتنورين والشباب، فالهم المعرفي والحياتي كان على مفهوم التغير الاجتماعي المرافق لمصطلحات "الثورة" و "العنف الثوري". وركزت الدعوات على أولوليات التغير الاقتصادي والاجتماعي بالطرق الانقلابية أو الثورية مع الدعوة للتحرر الوطني من الاستعمار سياسيا واقتصاديا , ولكن أهملت قضايا الديمقراطية والحريات العامة أو أجلت , أو طرحت بشكل يتماشى مع الأفكار الشمولية المسيطرة .
ولكن اضطربت وتخلخلت المفاهيم والأفكار لدى المثقفين لعدة عوامل :
- إجهاض التجربة الناصرية التي كانت تمثل المحاولة الجدية الوحيدة (بعد محاولة محمد على في القرن التاسع عشر ) للنهضة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والخروج من تحت سيطرة القوى الكبرى.واجمع معظم المثقفين أن الثغرة التي أسقطت التجربة من خلالها كانت تقديم المبادئ الأخرى على الديمقراطية بالإضافة للضربة العسكرية في حزيران 1967.
- خضوع الأقطار العربية لأنظمة مختلفة منها الملكية ومنها الجمهورية الشمولية ..الخ , ولكن يجمعها كلها غياب الحريات والديمقراطية والفشل في تحقيق النهضة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وتغلغل الفساد وسيطرة رجال السلطة وأقاربهم على الاقتصاد وتحويل خيرات البلد إلى الخارج على شكل حسابات لهم في المصارف العالمية ,والتعامل مع الشعب بالأسلوب الستاليني المخابراتي القمعي .
- سقوط الاتحاد السوفيتي وسقوط الفكر الشمولي معه.
- انهيار جدار برلين وأثره في العالم والمفاهيم والأفكار .
- النظام العالمي الجديد سواء سيطرة القطب الواحد أو سيطرة الامبريالية الجديدة على العالم أو مايسمى العولمة .
قضايا الإصلاح العربي واهم محاوره
المحور الأول – الإصلاح السياسي
ويقصد بالإصلاح السياسي كل الخطوات لبناء نظم ديمقراطية واهم المسارات هنا
- الإصلاح الدستوري والتشريعي
- إصلاح المؤسسات والهياكل السياسية
- إطلاق الحريات
المحور الثاني – الإصلاح الاقتصادي
المحور الثالث – الإصلاح الاجتماعي
المحور الرابع – الإصلاح الثقافي
المحور الخامس – مؤسسات المجتمع المدني وتطورها
مبررات الدعوة للإصلاح حاليا بعد رحيل الاستعمار من معظم أقطار الوطن العربي وانتكاسة الدعاوي الثورية شهدت الأقطار العربية تجارب مختلفة كان القاسم المشترك بينها هو الفشل ! أجل الفشل في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والفشل في التجدد واللحاق بركاب الحضارة المتطورة, والفشل في تحقيق نظام سياسي ديمقراطي مستقر.
ووجدت النخبة العربية أن سبل التغير الثوري والانقلابي لم تعد ممكنة بل مرفوضة حاليا , والسبيل هو الإصلاح بكافة النواحي والبدء بالإصلاح السياسي , فها هو المفكر العربي الدكتور جمال الاتاسي يرفع شعار(( الحرية أولا )) في عام 1973.
ولم تأت الدعوات العربية للإصلاح استجابة للضغوط الخارجية أو الأمريكية وإنما جاءت كحاجة وطنية ملحة .وبدأت الدعوة للإصلاح من القوى الوطنية العربية في الوقت التي كانت فيه أمريكا تدعم النظم العربية الاستبدادية وتعادى قوى الإصلاح, ولم تدعو أمريكا إلى الإصلاح إلا بعد أحداث أيلول نتيجة تفسيراتها للإرهاب وأسبابه واستكمالا لمخططها في السيطرة.
ونسمع الآن دعوات الإصلاح من أطراف متعددة لكل منها أسبابها وأسلوبها:
- فنحن نطالب بالإصلاح استجابة للاحتياجات الوطنية العامة في تعزيز البنية السياسية والاقتصادية عبر تحقيق مشاركة أوسع لفئات وشرائح المجتمع في اتخاذ القرار ، وتوزيع الثروة بطريقة أكثر عدلا، مما يتيح إقامة مجتمع التقدم والمنعة في مواجهة تحديات يواجهها العرب شعوبا وكيانات سياسية
- فيما يطرح الحكام الإصلاح من أجل إعادة إنتاج النظام السياسي الحاكم وإطالة عمره، وتجديد نخبته, التي غرقت في العجز والفساد، ولم تعد قادرة على مواجهة التحديات الجديدة سواء في مستواها الداخلي، أو في مستوياتها الخارجية.
- وفي الجانب الأخر تركز الدعوة الأميركية للإصلاح على إقامة توافق بين البلدان العربية ومجتمعاتها مع المصالح والسياسات الأميركية في المنطقة وعلاقات بلدانها الوثيقة مع الولايات المتحدة خلال السنوات العشر المقبلة ولا سيما في الجانب الاقتصادي. هي استجابة للمشروع الأمريكي لإصلاح الشرق الأوسط الكبير الذي يستهدف استكمال السيطرة الأمريكية علي هذه البقعة الإستراتيجية من العالم توسيعا وتعميقا لاستقطابها الرأسمالي المعولم، والذي يتضمن بالضرورة دعوة إلي إصلاح سياسي واقتصادي وتعليمي وفق قوالب محددة تخدم هدفها العام.
- أما دعوات الإصلاح الأوروبية، فقد ركزت على قيام شراكة أوروبية عربية هدفها نشر الفكر والأسلوب الليبرالي في المنطقة العربية ,وتوسيع السيطرة الفكرية والاقتصادية للسوق الأوربية المشتركة .
طرق الإصــــــــلاح
إن شعوب الوطن العربي في مأزق صعب، فهي:
- تتشكك في دوافع و جدية المبادرات الدولية للإصلاح.
- تدرك أن حكوماتها ترفض الإصلاح، باعتباره تهديدا للسلطات المطلقة التي تتمتع بها، و تنفرد بمقتضاها في التصرف في كل شؤون الأوطان دون حسيب أو رقيب.
-لا تملك القوة اللازمة لإجبار حكوماتها علي الشروع بالإصلاح ،نتيجة انقسام نخبها حول قضايا رئيسية.
وفي هذا في هذا السياق تبرز أربعة طرق نظرية لعملية الإصلاح:
- إصلاح مفروض من الخارج على نمط ما حدث في العراق.ولكن التجربة العراقية تبين وبشكل لايحتمل اللبث فشل هذا الأسلوب في تحيق الإصلاح و تبدو لنا أمريكا في دعوتها للإصلاح مخادعة لا تريد إلا خدمة أهدافها الامبريالية وان أية عملية إصلاح يجب أن تكون بعيدة عن التأثير الامبريالي الأمريكي المرتبط بالأهداف الصهيونية المعادية، ليس للإصلاح فحسب في أو ضاع الأمة العربية، بل ولوجود هذه الأمة وان ما برز على السطح من خلال احتلال العراق في تجنيد قوى طفيلية عميلة تسعى جاهدة أن تكون خدما للمشروع الأمريكي الصهيوني على حساب كل القيم الوطنية والقومية والدينية ليؤكد أن أمريكا وحلفائها من صهاينة وعملاء ورجعيين، لا يمكن أن يكونوا صادقين في كل ما يتفوهون به من إصلاح، ولا بد من المثابرة على تعريتهم وكشف أهدافهم التآمرية ضد امتنا وتطلعاتها .
- طريق ثوري، و هو بالتالي لا ينطبق عليه تعبير الإصلاح. و لكن الأهم هو أن مقومات هذا الطريق لا تتوافر في الوطن العربي، فليس هناك مؤشرات بعد علي وجود حركة ديمقراطية قادرة على أن تفرض أهدافها من خلال ثورة شعبية، أو تحالف مدني عسكري.ولقد بينا سابقا أن كل القوى الوطنية العربية أسقطت هذا الخيار من حسبانها.
- إصلاح من أعلى، اقتداء بالنموذج المغربي في الإصلاح التدريجي- الذي ما زال و رغم بعض التراجعات من وقت لآخر – يقوم على قاعدة توافق عريض بين النظام الملكي و الأحزاب السياسية الرئيسية و قطاع هام من مؤسسات المجتمع المدني، مع استعداد النظام السياسي للاعتراف بجرائم الماضي . غير أن هناك عدداً محدوداً للغاية من الحكومات العربية المؤهلة لأن تختار هذا الطريق. و لا شك أن الاستعداد لنهج هذا الطريق و معدل السير فيه، لن يتوقف فقط على طبيعة الإرادة السياسية للنظم الحاكمة، و لكن أيضا على مدى ديناميكية المجتمع المدني و الأحزاب السياسية في كل دولة، و طبيعة تفاعلات المجتمع الدولي مع تلك الدول.
- طريق المجتمع المدني، و هو يتطلب أن تنمو قوى المجتمع المدني و الأحزاب السياسية في أي دولة، إلى مستوى يمكنها من إحداث تطوير نوعي في علاقات القوى مع النخب الحاكمة، بما قد يتضمنه ذلك من احتمال شق النخب الحاكمة ذاتها، و انحياز أقسام منها لنهج الإصلاح .
و رغم أن هذا الخيار يعتمد بشكل كلي على طابع التفاعلات الداخلية، إلا أن طبيعة تفاعلات المجتمع الدولي مع كل من النظم الحاكمة و المجتمع المدني في كل دولة، سيلعب دوراً حيوياً في مدى تهيئة البيئة المناسبة لهذا المسار و معدل السير فيه بالطبع ليس هناك جدار فاصل يفصل بين الخيارات الافتراضية الثلاثة الأخيرة، فالثالث قد يقود للرابع، و الرابع قد يقود للثالث أو الثاني . و قد يؤدي انتكاس أي من الخيارات الثلاثة الأخيرة في ظروف خاصة، إلى فرض الخيار الأول .