كما انفتح صندوق الجهاد في ثمانينيات القرن الماضي انفتح الآن صندوق مكافحة الإرهاب، وكما رعت حكومات وسلطات الجهاد لوجستيا ماديا ومعنويا تعود اليوم للصرف على مقاومة الإرهاب، وبما ان الصرف في الحالين هو تكتيك سلطوي يدعو إلى التراكض وتبييض الوجه واقتناص الغنيمة، وبما ان في الحالين يجب على الفن ان يكون عملا خيريا نصائحيا، فلا أثم ما دامت النوايا سليمة والقول تحت سقف المباح.

وهكذا نعود إلى قياس الحاضر بمقياس التراث، لنقترح حلولا تدافع عن هذا الماضي وسوء استخدامه وليس عدم صلاحيته للاستخدام، في استعادة مبتسرة لمقولة ليس ثمة خطأ في النظرية ولكن هناك خطاء في التطبيق والاستخدام مع فارق بسيط في الزمن لا يقل عن ألف عام بين حضور النظرية وتطبيقها لتظهر مسلسلات من نوع لا تقربوا التدخين فأن التدخين ضار بالصحة، مسلسلات بنصائح فجة تهمل مقومات وجود الإنسان، وتهدر الجواني الذي يشكله كإمكانية حياتية خاضعة لتربية اجتماعية تنتج هذا النوع من الأداء الإنساني العنيف بغض النظر ان كان إرهابا أم رشوة أم فسادا أم قبلية أم طائفية، لتذهب في هلهلة درامية إلى اتهام آخر ما بتخريب استقرارنا.

هل المطلوب من مكافحة الإرهاب ضحية أخرى غير قادرة على الدفاع عن نفسها ؟ أي ضحية غير قادرة على إنشاء مشروع مكافح للإرهاب ؟ عندها علينا الانكفاء على أنفسنا واستحضار خصوصياتنا واثبات صلاحيتها لأنفسنا في مقابل العدو الخارجي القادر على تأسيس مشروع لمقاومة الإرهاب في انتظار اللحظة المستقبلية التي ينمحي بها هذا العدو للعودة إلى نفس التفكير ونفس الإرهاب.

في مسلسلات الرمضانية هذا العام والتي تدعي الدفاع عن القيم الحقيقية من خلال مقاومة الإرهاب، جرعة من العداء للجديد وعداء للتفكير بهذه المشكلة كمشكلة اجتماعية ( اقتصادية سياسية ثقافية تربوية ) معاصرة، وذلك من خلال طرح بدائل قيمية معاكسة تماما للمنجز البشري الحضاري والمدني ولكن عبر وسيلة حديثة، تحاول هذه البدائل دوما إثبات ان ما كان لدينا هو احسن وارقي من كل الذي صنعتموه …. أنها الدرجة الأولى في سلم الإرهاب … واسألوا في ذلك هدى أبو عسلي.

الانفصال عن العصر كقيم حقوقية هو الإرهاب نفسه، وهو ما على الدراما التلفزيونية تعميمه طالما ارتأت في نفسها رسالة خيرية تبرعية لتوعية هذه الشعوب وإصلاحها.