القلق في لبنان على سوريا، ليس أقل من قلق أهلها عليها، بل يزيد، لأنه يرافق قلقاً منها. والمخاوف التي يطلقها حلفاؤها في بيروت من تكرار واشنطن تجربة العراق، وكذبة أسلحة الدمار الشامل، ليست غائبة عمن تعتبرهم خصومها، ويحرصون على استقرارها، إن لم يكن أكثر من اولئك، فليس أقل.

الفارق بين الطرفين هو في "ترسيم الحدود" لدى خصوم دمشق بين المخاوف مما تبيّته الإدارة الأميركية للمنطقة، وجريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه. فالأولى ليست غائبة عن أحد، لكنها لا تمنع، ويجب ألا تمنع دمشق، من المساهمة الجادة والفعلية في كشف المخططين والمنفذين في الثانية. وإذا كان أحد في الغالبية النيابية الراهنة وغير النيابية، من سعد الحريري الى وليد جنبلاط وسمير جعجع والبطريرك صفير، لم يقصّر في إبداء الحرص على الاستقرار في سوريا، فإن حلفاء دمشق لم يقصروا هم في "الندب واللطم"، تخويفاً من الذئب الأميركي الآتي، متجاهلين نداءات الفريق الآخر الداعي الى التحصن بتطبيق القرارات الدولية، ومساعدة لجنة التحقيق والتجاوب مع مطالبها، بالمنطق، لا باللغة الخشبية، وفي الوقت المناسب.

والكلام الذي يورده الحلفاء كالقول أن "الهجمة الأميركية على سوريا بدأت قبل عامين بقانون محاسبتها"، يرضي "المطبّلين" لتصديها لواشنطن، لكنه يكشف قصورهم ودمشق عن استشراف الآتي وقراءته في الوقت المناسب. ولعل أبلغ دليل هو رد فعل وزير الخارجية السوري فاروق الشرع على القرار الدولي 1559 حين اعتبره موجهاً الى أي كان إلا سوريا، ليعود وحكومته الى إنجاز تطبيقه "على العمياني" في 26 نيسان الفائت.

والكلام الذي يرصفه "الحلفاء" يقتصر على توصيف المخاوف وتقديم الدروس والدعوة الى التراصف والتصدي، على عادة الفكر القومي منذ سقوط الامبراطورية العثمانية، من دون أن يشير الى المخرج من المأزق، متجاهلاً حرص "الخصوم" على انتهاج احترام القانون الدولي طريقاً الى جبهة عريضة لحماية استقرار سوريا، مدعومة بمواقف دول أعضاء في مجلس الأمن ليست فرنسا، في هذا البند، بعيدة عنها، ناهيك بالغطاء العربي السعودي - المصري المشروط بالمبدأ نفسه، وفيما يظهر "الخصوم" استقرار سوريا بند اتفاق داخلي شرطه تجاوب حكومتها مع متطلبات التحقيق الدولي، يحوله "حلفاؤها" بند خلاف داخلي على قاعدة "صكوك براءة الذمة القومية" لمن يؤيد نظام دمشق، لا لمن يحرص على سوريا، وهي الأبقى. متجاهلين ان لبنان، منذ الطائف، عربي في ذاته لا في ارتباطاته، وإن من حقه ان "يصدر" وعلى حسابه براءات ذمة قومية، سدد ثمنها غالياً منذ حكم الصدر الاعظم في الاستانة ولما يزل.

فارق آخر بين الفريقين، هو أن القلق على سوريا يجمعهما، ويفرقهما قلق "الخصوم" من ان يسيء من في دمشق اختيار الجواب المناسب في الوقت المناسب عمن خطط ودبّر ونفّذ اغتيال الرئيس الحريري ورفاقه، فيتكرر 26 نيسان بعد أوانه، فلا يجدي حينها الاستنجاد لردع الذئب الأميركي.

مصادر
النهار (لبنان)