أنور بيجو

بعد الرسالة المفتوحة الأولى ، التي طيّرت من ضفاف دجلة والفرات ، هل وصلت الرسالة المفتوحة الثانية الموجهة من ضفاف النيل إلى كل من :

 ( قادة ) الأحزاب القومية والعلمانية و ( الليبيرالية ) .؟؟
 الأنظمة السياسية الحاكمة .؟؟
 ما يسمّى بجمعيّات وتنظيمات المجتمع المدني .؟؟
 إلى كافة المهتمّين ، ولو عن بُعْدٍ ، بمصير بلدانهم .؟؟

وهل هم بحاجة إلى رسائل أعمق وأوضح من رسالتي منطقتين ، هما مهد الحضارات الأولى ، وموطن تفتح أول فكر إنساني ؟؟ هل ينتظرون مثلاً رسائل من المريخ حتى تبدأ قرائحهم وبصائرهم بالتفتح ؟؟ أم أن الزمن ما زال واقفاً عند ثلاثينيات وأربعينيات القرن الراحل المغفور له القرن العشرين ؟؟

أيعقل أن الرسالة الثالثة الصادرة عن أقذر يدين وأقبح فكر ، الرسالة الصادرة عن شارون بانشقاقه عن ( الليكود ) ، هي الرسالة التي ربما تجعل القرائح والبصائر أكثر انفتاحاً ونشاطاً ؟؟

هل سألوا أنفسهم ، كيف لجماعة دينية محظورة رسمياً وقانونياً ومنذ عام 1954 ، ولم تخلو السجون يوماً من بعض قادتها ، وخاصة في هذه الانتخابات الأخيرة ، وبالمئات، ألم يتساءلوا كيف تستطيع هذه الجماعة مواجهة حزب حاكم بكل عدّته وعديده ، وكل إمكانيات الدولة الموضوعة بتصرفه ، وينافسه وأي منافسة ؟؟ أم أن هذه الأسئلة لم يحن وقتها بعد ؟؟ هل أفعال الإخوان المسلمين الجيدة التي جعلت الناس يقتحمون مراكز الاقتراع رغم ( البلطجة ) وينتخبونهم ؟؟ أم السبب الأفعال السيئة لأحزاب السلطة ؟؟

ثمّ هل تساءلوا كيف لأحد مؤسسي حزب الليكود ، والذي كان يرأسه حتّى لحظة المغادرة ، كيف ( يغادره ) وهو رئيسه ، ورئيساً للوزراء ، لينشئ حزباً آخر ؟؟ وكل التوقعات تقول أنه سيكون الفائز الأول في الانتخابات ، مع أنها ستجري خلال ثلاثة شهور من تأسيس هذا الحزب !!! والأكثر من ذلك ، أي معنى لو غادر أيضاً آخر زعيم لحزب العمل ( شيمون بيريز ) الحزب المنافس تقليدياًً لليكود ، وانضمّ إلى حزب شارون الجديد ؟؟؟

من الجهل والسذاجة إن لم يكن من الغباء ، أن تصيبك الدهشة حين يسئ إليك خصمك أو عدوك ، أو أن تتوجه إلى خصمك وتقول له : لماذا تفعل ما يجعلك تهزمني ؟؟ السؤال الحقيقي الذي يجب أن يطرح دائماً : أنا ماذا فعلت ، وماذا لم أفعل ، حتى هزمني خصمي ؟؟

كتابات كثيرة ظهرت بعد التحول الخطير للعمل السياسي في العراق ، وكتابات عدّة ظهرت منذ أن لاح تقدّم الإخوان المسلمين في مصر في الانتخابات التشريعية ، وستظهر كتابات كثيرة أيضاً حول هذا الموضوع ، وقبل هذه الكتابات وتلك ، ظهرت كتابات حول فشل الأحزاب القومية خصوصاً والعقائدية عموماً في التقدم نحو أهدافها ، بل التراجع الخطير عن أهدافها ، ولم يحفظ هياكلها حتى الآن سوى وجودها في السلطة ، أو الطموح للمشاركة في السلطة ، وما يرتبه ذلك من منافع .

إن تناول هذا الموضوع ، يقتضي الوضوح التام ، كما يقتضي مواجهة عوامله الحقيقية مهما بدت مؤلمة :

في العالم العربي ، ومنذ أكثر ربع قرن ، من جهة أولى : تبدو السلطة في أقطار هذا العالم العربي ، مستقرّة وراسخة وقوية ، ومن جهة ثانية تبدو المعارضة ضعيفة وغير قادرة ، حتى في الجزء منها الذي استخدم العنف ، على تغيير الحياة السياسية بالانتصار على السلطة القائمة والمستقرّة .

فما الذي تغيّر حتى رأينا ما حصل في العراق ومصر، أو المطلوب حصوله راهناً في سوريا ولبنان وفلسطين ............ ؟؟ ولماذا هذا التغيّر ؟؟ وما هي وسائله ؟؟ ومع ماذا تزامن هذا التغيّر ؟؟؟

ودون الأخذ بترتيب هذه الأسئلة ، فقد قيل الكثير عن مشروع الشرق الأوسط الكبير ، وقيل ما يكفي حول وسيلة تحقيقه التي هي الفوضى البنّاءة ، وإن التخوف من أن ترسم أو تحدّ المصطلحات مساحة الرؤية ، فإننا نعتقد أن سباقاً محموماً تعيشه أمريكا ، لاستثمار الوضع الفريد الذي هي فيه كقطب أوحد في العالم ، وحين يتعلق الأمر بالمنطقة التي تحيط ( بأرض الميعاد ) ، فلا داعي للجدل أن ما يحكم سياسة أمريكا في الدرجة الأولى ، هو توفير مستقبل وجود واستمرار وجود هذا الكائن الغريب الذي يدعى ( إسرائيل ) ، وبالتالي وبكل بساطة ، فلا بد من منع أي احتمال لقيام قوة كائن ما ، في جوار هذا الكائن اليهودي قد يهدد وجوده ، والأمر البدهي عندها أن يجري تجفيف منابع القوة في هذا الجوار ، وفي نفس الوقت ، تعزيز عوامل الضعف فيه .

ولا يستطيع أحد الادّعاء أن الكيان اليهودي وأمريكا يجهلان منابع القوة وعوامل الضعف في هذا الجوار ، والأمر البدهي أن الكائن القوي الممكن ، هو المجتمع المستقر الموحد الهوية ، الموحد المصالح ، والموحد الولاء ، وبالمقابل فإن منع الاستقرار ، وتعدد الهويّات ، وبالتالي تناقض المصالح والولاءات ، هو ما يتيح إنتاج جوار من أرض محروقة .

من هنا كان المطلوب ضرب نهائي لكل ما يوحّد ، وتعزيز نهائي لكل ما يفرّق ، وبالعودة إلى أساس الموضوع ، هل يمكن لقبطي أن يكون عضواً في جماعة الإخوان المسلمين ؟ بل أكثر من ذلك ، ألا يقتضي فعل هذا التجمع لـ ( الإخوان المسلمين ) ، أن يقابل بردّ فعل على شكل تجمّع لـ ( الإخوان الأقباط ) ، ثم ألا يمكن أن تقسم الإخوان المسلمين باتجاهات ، وتقسم الإخوان الأقباط ، وهكذا ... إجراء أكبر سلسلة من التفكيك الممكن .

وبالمقابل أيضاُ ، إذا كان يمكن للمسلم كما للمسيحي ، للسنّي كما للعلوي ، للماروني كما للأرثوذكسي ، للكردي كما للتركماني ............ أن يكون بعثياً أو شيوعياً أو ناصرياً أو قومياً سورياً ، فإن كل مكان يمكن أن يوحّد لا بدّ من إزالته وليس معاقبته ، وإحلال مكانه ما يفرّق من تنظيمات ومؤسسات ......

فإذا انتقلت إلى ما يعزّز الفردية والأنانية ، ويضرب في الصميم كل ما يعزز الغيرية والاهتمام بالشأن العام ، فستجد الكثير الممكن وبسهولة .

إذن تزامَنَ هذا التغيير ، مع تفرّد أمريكا بقيادة العالم ، وسبب هذا التغيير ، هو خلق المناخ الذي بمكّن هذا الكيان اليهودي من الاستمرار في الحياة ، ووسائل هذا التغيير ، هو إزالة كل ما يوحّد ، وتعزيز كل ما يفرّق ، ونحن مساهمون بهذا سواء أدركنا ذلك أو لم ندرك !!

لم يكن للنظام في مصر أن يسمح أن يحصل ما حصل في الانتخابات التشريعية ، لولا الضغط الأمريكي بحجة اسمها الديموقراطية ، ولهدف محدد هو تعزيز ما يفرّق ، ولم يكن ليحصل في العراق ما يحصل لو قام انقلاب وأطاح بصدّام حسين ، وما حصل ، حصل بيد أمريكا لتحويل العراق إلى أرض محروقة ، ولحساب الكيان اليهودي .

هنا تكمن جريمة الأحزاب المنتفعة من السلطة ، فالضعيف منها ، ضعيف عدداً وعدة ، والذي يبدو قوياً ، هو حقيقة منتفخ بالنفعيين ، وغيرها متأهب لينال نصيبه من النفع .... ولولا الوعي القومي والوطني الفطري للمواطن العادي ، لكانت الساحة مهيأة لكل ما يفرّق .

فإلى متى يمكن الاعتماد على الفطرة وليس الوعي السياسي ، والعمل الأمريكي لتعزيز ما يفرّق ، جارٍ على قدم وساق ؟؟؟