علي فياض/المستقبل

بين جولة الرئيس الأميركي الآسيوية الأخيرة وبين جولته الأميركو ـ لاتينية السابقة لها تكاد تكون النتائج السياسية متشابهة، ويكاد المشهد يكون موحداً، فالنتائج في الحالتين هي أقرب الى الاخفاق منها الى النجاح، والمشهد في الحالتين أيضاً تجمعه ملامح مشتركة لرئيس الدولة الأعظم المتغطرس، الهارب من أزمته الداخلية المتفاقمة، الى الخارج فيجد نفسه هناك ضيفاً غير مرغوب فيه فيضطر أمام غضب المتظاهرين الساخطين الى ولوج الأبواب الخلفية لتأمين سلامته رغم كل الاجراءات الأمنية والامكانات التقنية المتوفرة لحمايته.

لم يحدث أن وجد رئيس أميركي نفسه في وضع صعب مزدوج كهذا، بانخفاض مستوى شعبيته الى أدنى مستوياتها منذ دخوله البيت الأبيض. وارتفاع مستوى المعارضة الخارجية لسياسته الى أعلى مستوياتها، إلا في عهدي الرئيس الديموقراطي الأسبق ليندون جونسون الذي أسقطته حرب فيتنام، والرئيس الجمهوري الأسبق ريتشارد نكسون الذي أسقطته فضيحة "ووترغيت"، وها هو اليوم جورج بوش يواجه في العراق شبح الهزيمة العسكرية وفي يالبيت الأبيض فضيحة "عراق غيت" التي طالت أقرب مستشاريه، فيلجأ الى تكتيك قديم متجدد، بالهروب من الداخل الى الخارج وتصوير الأزمة الداخلية لتحميل الآخرين وزرها.

في الساحة الداخلية يواجه الرئيس الأميركي المتاعب والفضائح التي تعج بها ادارته ورجاله، أكاذيب وأضاليل وشهادات ملفقة ووثائق مزورة، لم تشهد مثلها أروقة البيت الأبيض من قبل، فيذهب الى الخارج مسلحاً بشعارات براقة وعناوين جذابة ووعود مخادعة علها تحقق نجاحات ومكاسب خارجية توازن الاخفاق الداخلي المتفاقم.

في جولته في أميركا اللاتينية التي أعقبت مشاركته في القمة الأميركية كما في جولته الآسيوية التي رافقت مشاركته في قمة آسيا ـ الباسفيك "أبيك" وجد الرئيس جورج بوش نفسه شخصياً ورسمياً في وضع يتنافى الى حد كبير مع هيبة الولايات المتحدة كقوة عظمى وحيدة متجبرة، فعلى المستوى الشخصي لم يقطع الرئيس الاستمتاع بمباهج ومزايا المنتجع البحري "مار ديل بلانا" الذي احتضن القمة الأميركية في شرق الأرجنتين، بسبب الشعارات والهتافات الصاخبة التي رددها ليلاً ونهاراً مئات آلاف المتظاهرين الساخطين القادمين من أنحاء مختلفة من القارة الجنوبية والتي أفقدته الهدوء والسكينة والراحة، كذلك فعل أكثر من نصف مليون كوري جنوبي "ناكر للجميل الأميركي" تظاهروا ضد الرئيس بوش في مدينة بوشان التي احتضنت قمة أبيك.

لقد توحد المتظاهرون في الأرجنتين وفي كوريا الجنوبية، في مطالبهم ومواقفهم وشعاراتهم، في المطالبة بخروج القوات والقواعد والوجود الأميركي وفي معارضة الهيمنة الاقتصادية والتجارية الأميركية وفي التنديد بسياسة الحرب والعدوانية الأميركية وفي توصيف الرئيس بوش بالارهابي الأول والشرير الأعظم والقاتل الأكبر، وفي اعتباره شخصاً غير مرغوب به بل وغير مرغوب فيه.

أما على المستوى الرسمي فلم يتمكن الرئيس الأميركي من الترويج جيداً لبضاعته، فالشعارات التي كرستها واشنطن بعد انتهاء الحرب الباردة كالعولمة والتجارة الحرة والديموقراطية وحقوق الانسان ومحاربة الارهاب لم تعد جذابة كما السابق، لأن الآسيويين كما الأميركيين الجنوبيين خبروا عن قرب الترجمات الميدانية ـ المحلية والاقليمية ـ البائسة لهكذا عناوين براقة. وهكذا سقط المشروع الاقتصادي المطروح الذي حمله الرئيس الأميركي الى قمة الأرجنتين لإقامة أكبر منطقة تجارة حرة في العالم تمتد على مساحة القارتين الأميركيتين، كما واجه مشروعه لتحويل منتدى أبيك الى أداة اقلمية لمنظمة التجارة العالمية معارضة آسيوية ملحوظة في قمة كوريا التي أحالت موضوع تحرير التجارة العالمية الى جولة المفاوضات القادمة في هونغ كونغ.

والنتيجة ان حلفاء واشنطن في القمة الأميركية لم يتمكنوا من انقاذ مشروع الرئيس لضم "الحديقة الخلفية" الى "الفناء الداخلي" للبيت الأميركي، وحلفاء واشنطن في القمة الآسيو ـ باسفيك لم يتمكنوا من إعادة الاعتبار للرغبة الأميركية بتحويل المحيط الهادئ الى بحيرة أميركية خالصة، ولم يتحمسوا لتكريس "أبيك" أداة هيمنة أميركية، ولم يتوقف الاخفاق الأميركي الخارجي عند هذا الحد بل أن الرئيس اضطر لاعلان احترامه وتفهمه لرغبات بعض الحلفاء في سحب أو تخفيض عدد قواتهم المرسلة الى العراق تحت ضغط واجب "رد الجميل" وعلى أساس وعد أميركي بأن الحرب هناك لن تكون أكثر من نزهة قصيرة!

ولسوء حظ الرئيس الأميركي توالت عليه خلال رحلته الأخبار غير السارة وغير اللائقة بهيبة الدولة الأعظم، أولها جاء من افريقيا عندما قررت زيمبابوي طرد السفير الأميركي لديها باعتباره شخصاً غير مرغوب فيه نظراً لتدخله في شؤونها الداخلية، وثانيها عندما قررت حكومة كوريا الجنوبية الحليفة التقليدية لواشنطن عدم التصويت لصالح قرار معادي لكوريا الشمالية في ملف حقوق الانسان حركته واشنطن وحلفاؤها في الأمم المتحدة، وثالثها عندما قررت السلطات الفيليبينية الصديقة محاكمة ثلة من الجنود الأميركيين ـ القادمين لمساعدتها في الحرب على الارهاب ـ بتهمة الاعتداء على امرأة فيليبينية على الأرض الفيليبينية، وآخرها عندما سربت كوريا الجنوبية وبعد مغادرة الرئيس بوش خبر عزمها على سحب ثلث قواتها من العراق دون معرفة الضيف الأميركي بالقرار الكوري!

تفاصيل قد تكون صغيرة أو ثانوية، لكنها مؤشرات قد تكمل المشهد الخارجي الذي لم يعد مريحاً للأميركيين أو سلس القيادة للبيت الأبيض، وبالتالي لم يعد ملجأ مثالياً لتمرير تكتيك الهروب من الداخل الى الخارج، أو تحميل الأزمات الداخلية على إنجازات ومكاسب خارجية.