هآرتس

رؤوبان بدهتسور

لا يوجد على ما يبدو وضع أشد خطورة لمواطني اسرائيل، من الدمج بين انتخابات مقتربة وبين المداولات حول ميزانية الأمن. فجأة أن ثمة خطراً وجودياً وشيكاً يحدق باسرائيل، بحيث يستوجب الخوف منه القيام بعمليتيين: زيادة ميزانية الأمن وانتخاب ارييل شارون.
سيل التسريبات، "الاكتشافات" والتصريحات التي مصدرها الجيش الإسرائيلي و"مصادر عليا" غير بعيدة بشكل خاص عن مكتب رئيس الحكومة، تحتل عناوين الصحف في الأيام الأخيرة. خلاصة هذه الأمور هي الخطر الفظيع الذي يحدق بالدولة، بدءاً من تحديد رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية "أمان"، أهارون زئيفي ـ فركش، بأنه ما لم يتم ايقاف المشروع النووي الإيراني حتى آذار 2006، فسيصبح الوقت متأخراً جداً، ومروراً بتقرير حول شراء صواريخ للدفاع الجوي من قبل النظام الإيراني، وتحسين مستوى دقة الصواريخ التي لدى سوريا، وانتهاء بالتقدم المثير للانطباع في تطوير صواريخ شهاب الايرانية.
المشكلة الرئيسية في كل حملة التخويف هذه هي أنها لا تنطوي على أي جديد، وهي بالطبع لا تغير وضع اسرائيل الاستراتيجي الآن ولا توازن القوى بينها وبين خصومها في المنطقة. ايران تطور سلاحاً نووياً منذ مدة طويلة. وشهاب أصبح جاهزاً للاستخدام منذ مدة طويلة، وشراء الصواريخ للدفاع الجوي من قبل الجيش الايراني يشكل استمراراً لعملية التسلح الطبيعية والمتوقعة والمنطقية، والتي لا تشكل تغيراً حقيقياً في موازين القوى مقابل اسرائيل ـ وحتى ان تحسين دقة الصواريخ السورية لا مغزى له على المستوى الاستراتيجي، ذلك أن استعداد اسرائيل في مواجهة هذه الصواريخ يرتكز أصلاً على الردع، ولذلك ليست هناك أهمية كبيرة لمستوى الدقة.
منذ مطلع التسعينيات تدعي شعبة الاستخبارات العسكرية بشكل دوري شبه ثابت بأن ايران ستمتلك "سلاحاً نووياً خلال خمس سنوات". هذه هي السنوات الخمس الأكثر ثباتاً في تاريخ الاستخبارات. قبل عامين حدد وزير الدفاع شاؤول موفاز بأن ايران ستجتاز في 2004 "نقطة اللاعودة" في مشروعها النووي.
المغزى هو أن "أمان" لا تملك في الواقع معلومات أكيدة حول تقدم البرنامج النووي الايراني، ولكنها ليست وحدها في ذلك إذ لا توجد لدى أي جهاز استخباري غربي معلومات ومعطيات أفضل. على هذه الخلفية يتوجب أن نحكم على تصريح زئيفي فركش بأن آذار 2006 هو "نقطة اللاعودة" في المشروع النووي الايراني، وكذلك الحال مع كلام رئيس الوكالة الدولية للطاقة النووية الدكتور محمد البرادعي بأن إيران ستكون بعيدة عدة أشهر فقط عن انتاج السلاح النووي اذا استأنفت تخصيب اليورانيوم.
السلاح النووي والصواريخ البالستية كانت دائماً وصفة مضمونة لنشر الذعر في أوساط المواطنين. إلا أن ذلك موجه أكثر لاعضاء الكنيست والحكومة الذين بمقدورهم التأثير على مصير ميزانية الأمن. وكما العادة يتوقع هذه المرة أيضاً أن تكون حملة التخويف مجدية. فمن هو عضو الكنيست الذي سيجرؤ على طلب تقليص ميزانية الأمن في الوقت الذي يتعاظم فيه الخطر الوجودي يوماً بعد يوم؟ فكيف ذلك ووزير الدفاع شخصياً، الذي يشعر بالعذاب بسبب الفقر والبطالة، يوضح أنه ممنوع المس بموازنة وزارته لأن إسرائيل وصلت الى الخط الأحمر بسبب النقص في الموارد المخصصة للمؤسسة الأمنية.
الانتخابات الوشيكة تسهم أيضاً في زيادة التهديدات والمخاوف، ذلك أنه لا يمكن أن يكون هناك شيء ضروري أكثر من الحاجة الى اختيار شخص كرئيس يكون يفهم، يقدر ومن شأنه العمل لاحباط التهديدات الإيرانية" هذا الشخص يمكن أن يكون بالطبع جنرالاً خاض معارك كثيرة وخبيراً في الأمن، الأمر الذي يجعله متميزاً على كل من يملك جدول اعمال مدنياً ـ اجتماعياً واضحاً. عندما يكون خطر الصواريخ موجوداً يحظر الوثوق بمن لم يكن يوماً مسؤولاً عن فرقة عسكرية ولم يستخدم آلة الحرب التابعة للجيش الإسرائيلي.
هكذا يقول شارون إن "إسرائيل لا تستطيع القبول بوضع تمتلك فيه إيران سلاحاً نووياً، ونحن نقوم بكل الاستعدادات المطلوبة لمثل هذه الأوضاع". ثمة رسالتان مبطنتان يبعث بهما رئيس الحكومة. الأولى، نحن نستعد، والاستعداد يتطلب تكاليف مالية باهظة. والثانية، وحده من يفهم بالأمن يمكنه أن يقود إسرائيل للاستعداد في مواجهة التهديد الأسوأ.
تصريحات شارون، التي انضم اليها ضباط كبار، بأن اسرائيل لا تستطيع القبول بإيران نووية، تضع أمام الدولة تحدياً ثمة شك كبير في امكانية التصدي له. فهذا يعني أنه إذا فشلت جهود الأسرة الدولية في وقف جهود التطوير الإيرانية، فلن يكون أمام إسرائيل من خيار سوى العمل لوحدها من أجل الهجوم على المنشآت الايرانية. هذا استنتاج خطير، خصوصاً أن شارون يستخدم وهو مدرك لطبيعة القيود على هذه العملية العسكرية الإسرائيلية، ومغزاها العملي هو عدم قدرة الجيش الإسرائيلي على وضع حد للمشروع النووي الايراني بوسائل عسكرية.
بنيامين نتنياهو لم يكن ليستطيع السماح لنفسه طبعاً بالبقاء في الوراء، وقد صرح بصورة أكثر خطورة من خصمه شارون، عندما دعا اسرائيل للقيام بحملة "جريئة وشجاعة" في مواجهة ايران على غرار ما فعله بيغن مع العراق.
من المحتمل أن يكون لدى ايران سلاح نووي في نهاية المطاف، واذا حدث ذلك، فسيكون على اسرائيلي أن تتعلم كيفية التعايش مع التهديد الايراني وتحييده بواسطة الردع الحقيقي. وثمة عنصر مهم في هذا الردع هو مناعة الجمهور الذي سيمنح الدعم للسياسة التي ستتبعها الحكومة. وحملة التخويف التي تجري الآن غير مجدية، لا سيما في كل ما يتعلق بمناعة الجمهور.