حياة الحويك عطية /الدستور

السيدة التي تطالعني ابتسامتها الواثقة الودودة ، تنظر من ورائي بحنان الى كلماتي العربية التي لا تعرف منها حرفا واحدا ، تهيىء لي كاس الشاي وتضعه امامي بهدوء، ثم تنصرف لتحضر لي الفراش ، بعد ان اعتذرت عن عدم مرافقتي صباح الغد الى النشاط المقرر ، لان الغد يوم عمل ، وهي لا تستطيع التغيب عن عملها . السيدة المناضلة في لجان دعم الانتفاضة ، سعيدة لانها قدمت الليلة مساهمة ما في نشاط هذه اللجان لدعم العراق ، قدمت لنا المبيت ، وساهمت مع رفيقاتها في اعداد العشاء ، وبذلك تنصرف غدا هانئة الضمير الى عملها ، بينما ياتي رفيق اخر لها لاصطحابنا الى اللقاء الجماهيري المقرر دعما للمقاومة العراقية. اكثر من عبرة في هذا اللقاء الاولي البسيط : هؤلاء النشطاء يعرفون تماما ، واكثر من الكثيرين من العرب المقيمين ، الترابط العضوي بين المقاومات العربية كلها وعلى راسها الفلسطينية والعراقية ، فاذا بلجان دعم الانتفاضة هي من يتحرك لدعم المقاومة العراقية . ويعرفون الترابط العضوي بين المقاومة العربية لمشروع الشرق الاوسط الكبير والجديد والاجدد وغيرها من اسماء لا تخفي وراءها الا مسميان : الاميركي النيوليبرالي والصهيوني ، والمقاومة العالمية لهيمنة هذين المسميين على شعوب العالم ، لامتصاص دماء هذه الشعوب كلها وضخها في شرايين غول الاسواق والشركات المتعددة الجنسيات .... يعرفون ويعملون ، بهدوء وصمت عندما يحتاج العمل ذلك وبصوت عال عندما يحتاج الضغط . وبايمان واصرار في كلتا الحالتين . هؤلاء تغمرني بهم ميلانو هذه الليلة ، اجل ميلانو المدينة التي تشارك بلادها في احتلال العراق ، ويعبر رئيسها عن مواقف شديدة العداوة ازاء العرب والمسلمين ، فيما يؤيد بدون تحفظ اسرائيل . ميلانو المدينة التي يقال انها تضم ثالث اكبر جالية يهودية في اوروبا ، وواحدة من الاكثر نفوذا ، وتعرف ساحاتها نفوذا كبيرا للاخطبوط الاستثماري لسيلفيو برلسكوني ، ميلانو تضم ايضا ثلة من المقاومين الذين لا يملكون شيئا من هذا الثراء ولا من هذا النفوذ ، لكنهم يملكون ايمانا بان التغيير ممكن مهما بلغ جبروت الطغيان ،وبان العدالة الانسانية هي شيء كالاواني المستطرقة، اذا ارتفع السائل في انية ارتفع في اخرى والعكس. يعرفون ان مصلحة بلدانهم في سيادة العدالة لا في ظلم وبطش القوة. وان مصلحتهم هم وقناعاتهم في علاقات انسانية تحكمها المبادىء لا الاطماع. هؤلاء ... ما زلوا موجودين في انحاء كثيرة من العالم، العالم الذي تحكمه الشركات واللوبيهات والمجمعات الصناعية العسكرية، والعالم الذي جاء بلادنا محتلا وطامعا ومتآمرا ... يتضامنون معنا ، مع قضايانا ، يحدوهم شعور بالعدالة وبالظلم ،و ايمان ما . ايمان يجعلهم يضحون ويتعبون ويحاولون بكل طريقة تغيير المعادلة . هل سيستطيعون ، ام انهم مثلنا دون كيشوتات حالمة ؟ سؤال لا تملك الا وان تساله ، ولا تملك ايضا الا وان تخجل لانك تفعل ، وكانك بيت عاجز عن الايمان بالانسان ، وبالحق ، او كانك لا ترى ايمان المضحين المقاومين على ارض بلادك ، او كأنك لم تقرأ تجارب التاريخ لتعرف ان التغيير نحو الافضل لم يأت يوما الا على يد نفر قليل استطاع ان يحفظ الشعلة المجوسية ويضرم بها نار الآخرين . تخجل، وتتوقف عن الكتابة لان عليك ان تنهض باكرا للمشاركة في نشاط الغد .