نجيب نصير

بما ان قانون الاحزاب يقترب من الصدور ، وعلى الناس ان يكونوا متحزبين بطريقة او اخرى ، لأن الاحزاب تفترض اداء اجتماعيا حزبيا ما ، اي ان استحقاقا ما ، سوف بفرض نفسه على المواطن بحكم حضور قانون للاحزاب يجعله قادر على الاختيار بين الوان الطيف الحزبي اذا شئنا والسياسي اذا شاءت الاقدار ... اي ان حضور هذا القانون سوف يكون مفصليا بطريقة او اخرى في اليات الحراك الاجتماعي ، وعليه فأن سؤالا مفصليا تجب الاجابة عليه تحضرا لصدور هذا القانون خصوصا ونحن ما عليه من تربية سياسية اجتماعية حقوقية ، تختزن اكثر مما تعلن من تعارض وانمراض مع السياسة والاحزاب ، ليس اولها الخوف وليس آخرها الابتعاد عن الشأن العام بحكم الخيمة الكبرى التي تظلل كل هذا وذاك والمختصرة بقلة الدراية يالحقوق والواجبات وما تفرزه من امراض ليس اقلها الفساد وليس اكبرها انعدام الامان .

في ظل ما سلف يتقدمها عدم انجاز المشروع القومي، اي اننا في بلد لن تكون فيه الدوله على قد الامة ( جغرافيا على الاقل ) اي اننا في حال من التجزئة والاصطلاح الموقت على حدود لم يكن لنا يوما يد في وضعها حيث يتوازى هذا الشرط مع انغلاق الشرط القومي الذي اكملت احزابه وايديولوجياته مهمتها على اعتاب القرن العشرين ولم يبق للنضال القومي من اجل التوحيد الا شعارات محقة من الصعب تحقيقها بالطرق الكلاسيكية في مواجهة انفتاح القوميات المكتملة على بعضها مشكلة كتل حداثية كبرى وقادرة على فرض مسارات سياسية وثقافية وحتى اجتماعية على مناطق الشرذمة او ما يمكن تسميته مناطق الفشل القومي (دون الخوض في اسباب ومسببي الفشل القومي هذا)وهنا نحن امام معضلة اجتماعية هل نريد احزابا خاضعة لسايكس بيكو ولو نظريا ام رافضة له والوقت يمر ما يزيد من ضغوط التخلف ؟ بمعنى ان حضورنا الحقوقي مبني على دولة التجزئة ، واستمرارنا بالحضور يعني اعتمادنا على منجزات الحداثة ، فأين نكون وما هو الحزب الذي يمكن ان يحل هذا الاشكال.

من جهة اخرى .. فقد انتهت الاحزاب النضالية من العالم برمته بعد ان انجزت مرحلتها سلبا او ايجابا ولم تعد هناك احزاب بالمعنى التغييري الجذري اي تغيير كل شيىء الى ( الاحسن افتراضا ) وحلت محلها احزاب الاداء الاجتماعي ( سياسة اقتصاد ثقافة ) ضمن منظومة اداء حداثي تحافظ عبره على الانجاز الحقوقي وتسعى الى الارتقاء انطلاقا من المطلب المجتمعي وليس خضوعا لأولويات الايديولوجيا حيث يسخر العلم والمعرفة في سبيل تحقيق المطالب وليس في تبرير صحة الايديولوجية واثبات عبقريتها . فأي الاحزاب نريد ؟ احزاب انتظار التأسيس الايديولوجي ومن ثم تغيير كل شيىء ؟ ام احزاب التعامل مع الواقع الاجتماعي كما هو ومعالجة ازماته بالعلم والمعرفة الحداثيين ؟؟

لم يعد التراث مهما في اي من الحراكات الحزبية في العالم بل تحول هذا التراث الى فلكلور واعتقاد شخصي فالمطروح امام اي حزب او جهة سياسية اوسع بكثير واخطر بكثير واستراتيجيا بدرجة اعلى بكثير من جميع معطيات اي تراث مهما بلغت فرادته ومهما بلغت ضرورته ، فاي نوع من الاحزاب يمكن التفكير به من هذه الناحية مع التمحيص في سؤال التراث وسؤال الهوية في خضم انواء هذه الكرة الاضية حيث يتقلص الزمن ليصبح التراث عيم الوجود تقريبا بالمقياس الفيزيائي ، ليصبح المفترق هو سؤال من نريد الماضي ام المستقبل؟؟؟

في هيكلية الاحزاب الادارية هل ستكون الاحزاب المأمولة نسخة عن ما اختزنته تجربتنا ( السرية والعلنية ) عن تنظيم الاحزاب وقيادتها وتحريكها أم ان العالم اصبح في ديار اخرى من هذه الناحية حيث اصبح الفارق يشبه بالتمام الفارق بين العمل اليدوي والعمل المؤتمت ، وهل هذه الاتمتة هي من قبيل التزين ام من البنية المأمولة لمتحزبي المستقبل ؟؟؟

نحن اليوم مع انتظار قانون الاحزاب ، امام مفصل حضاري وليس مجرد مفترق لأداء سياسي كلاسيكي ، ما فاتنا من الممارسة الحزبية الحقوقية تحول الى فجوة حضارية تتناول كل المفاهيم التقليدية في نظرتنا الى الشأن العام ، فهل نحن قادرون على اطلاق الاسئلة عن ماذا نريد بالتوازي مع الادوات الموجودة في العالم ام تصبح الفجوة الحضارية هي ملعبنا الوحيد وشرفتنا الوحيدة على الذي كان يجب ان يكون ؟؟؟؟

ربما ما سلف كان جزء صغير من الاسئلة التي تتوارد على الذهن ، ولكن المسألة تحتاج الى الكثير من الجهد والتمحيص في سؤال : اي نوع من الاحزاب نريد ؟؟؟؟