ماذا كانت حصيلة لقاءات مساعد الامين العام للأمم المتحدة للشؤون القانونية نيكولا ميشال في بيروت حول شكل المحكمة ذات الطابع الدولي، وهل انتهى تبادل الافكار في هذه اللقاءات الى الاتفاق على تشكيل هذه المحكمة؟

الواقع، ان اللقاء الطويل الذي عقده موفد الامم المتحدة للشؤون القانونية مع وزير العدل شارق رزق بحضور عدد من كبار القضاة، هو اللقاء الذي جرى فيه تبادل وجهات النظر حول شكل المحكمة ذات الطابع الدولي وإن لم يكن قد انتهى الى وضع تصور لشكل هذه المحكمة لأن الامر يحتاج الى مزيد من البحث والتشاور. وسيغادر وفد من قضاة لبنانيين قريبا الى نيويورك لمتابعة البحث مع مساعد الامين العام للشؤون القانونية نيكولا ميشال توصلا الى اتفاق على شكل المحكمة.

وفي اللقاء الذي عقده الخبير القانوني ميشال مع وزير العدل حرص الوزير رزق على التأكيد ان لبنان لجأ الى طلب تشكيل محكمة ذات طابع دولي ليس انتقاصا من أهلية القضاء اللبناني وكفايته. ففي لبنان عدد كبير من القضاة يمتازون بالكفاية والاهلية والنزاهة والاستقلالية، مذكرا بأن لبنان هو بلد عريق في صوغ القوانين وعاصمته بيروت معروفة بأنها كانت أول مدينة قامت فيها مدرسة لتدريس الحقوق لكن طبيعة الجرائم والظروف التي رافقتها تستدعي تحقيقات دولية بموازاة التحقيقات اللبنانية وان لبنان ينطلق في موضوع تشكيل محكمة ذات طابع دولي من الاعتبارات الآتية:

أولاً : من قرار مجلس الامن الذي يخضع لصلاحية المجتمع الدولي، الجرائم الارهابية وجرائم كبرى مثل جريمة اغتيال الرئيس الحريري.

ثانياً: من التحقيق الذي قد يؤدي الى الاستناد لشهود ينتمون الى جنسيات عدة. ولتجنب اخضاع قضية واحدة لمحاكمتين No Bis Eadem.

ثالثاً : تأمين سلامة القضاة وتوفير الامن والامان لهم بحيث يستطيعون النظر في القضية المعروضة عليهم وهم مطمئنون ولا يعيشون حالة قلق واضطراب نفسي من جراء ضغوط وتهديدات تحت أي شكل من الاشكال.

أما بالنسبة الى ما له طابع دولي او طابع لبناني للمحكمة، فهناك معايير عدة يمكن اعتمادها وكذلك القانون الصالح الذي تصدر الأحكام بموجبه. وقد طلب الوزير رزق ومعه القضاة اللبنانيون، اعتماد القانون اللبناني باعتبار ان جريمة اغتيال الرئيس الحريري وقعت على أرض لبنان على ان يلتزم لبنان ما يطالب به المجتمع الدولي أي عدم تطبيق عقوبة الاعدام، وهذا يتطلب تعديل قانون العقوبات اللبناني لهذه الجهة.

وفي ما يتعلق بنسب توزيع عدد القضاة في المحكمة ذات الطابع الدولي بين لبنانيين وغير لبنانيين، فلم يتم الاتفاق بعد على تحديد هذه النسب وهل يكون عدد القضاة اللبنانيين في هذه المحكمة أكثر أو أقل من عدد القضاة غير اللبنانيين. ويبدو ان الدول المعنية في الموضوع غير متفقة حتى الآن حول هذا الموضوع ولا حول مكان انعقاد المحكمة، ولا بد من أخذ مزيد من الوقت للاتفاق على كل الامور المتعلقة بانشاء المحكمة ذات الطابع الدولي وعدد أعضائها وجنسية القضاة الذين تتألف منهم ومكان انعقاد المحكمة والقانون الذي ينبغي اعتماده لاصدار الاحكام بموجبه كي يصدر عن مجلس الامن قرار بانشائها وستكون من مهمة وفد القضاة اللبنانيين الذي سيغادر قريبا للاجتماع بمساعد الامين العام للأمم المتحدة للشؤون القانونية نيكولا ميشال وضع منهجية لعمل المحكمة بعد التشاور في الموضوع مع زملاء لهم في الخارج، حتى اذا ما تم التوصل الى بلورة الافكار المطروحة يصير عرض ذلك على وزير العدل شارل رزق الذي يعرض بدوره الموضوع بتفاصيله ودقائقه على مجلس الوزراء، حتى اذا اتخذ قرارا في شأنه يتم عقد اتفاق بين الحكومة اللبنانية والامم المتحدة يجعل كلا الطرفين يرتاح للمستوى الفكري والقانوني لعمل المحكمة.

واذا كان تشكيل محكمة ذات طابع دولي يحتاج الى وقت، فان لجنة التحقيق الدولية في جريمة اغتيال الرئيس الحريري سوف تنتهي من مهمتها خلال مدة الستة اشهر المحددة لها وتضع تقريرها النهائي بحيث يتصرف مجلس الامن في ضوئه، خصوصا اذا لم تستجب سوريا قرار اللجنة اذا ما طلبت توقيف عدد من الضباط السوريين، وحاولت الاستمرار في سياسة المماطلة وكسب الوقت، والعودة الى الكلام على توقيع بروتوكول بينها وبين اللجنة رغم ان قرار مجلس الامن واضح وصريح بتأكيد معنى التعاون التام والكامل وغير المشروط بأي شرط او مساومة.

الى ذلك فان الرئيس السابق للجنة التحقيق الدولية ديتليف ميليس الذي لم يستجب مطالب سوريا وشروطها بخصوص آلية التحقيق، فان خلفه سيرج برامرتس لن يستجيبها ايضا لانها تشكل تقييدا للصلاحيات المطلقة التي منحها له القرار 1636 ومنها حق اللجنة في مقابلة أي مسؤول سوري ترى ان مقابلته تفيد التحقيق. وان القانون الجنائي الدولي ومحاكمته لا يقيم وزنا للحصانات الداخلية ولا لقوانين العفو، وان التذرع بالسيادة الوطنية لا يحول دون تطيبق القوانين الدولية حيال كل دولة ارتضت الانضمام الى منظمة الامم المتحدة والتزمت تطبيق مقرراتها.

وكما ان رئيس لجنة التحقيق الدولية ميليس اشاد بالسلطات القضائية اللبنانية وبكفايتها على ادارة التحقيق، فان خلفه برامرتس كرر الاشادة بها وبتعاونها خلافا لما هو الوضع مع سوريا خصوصا في الفترة التي تركز فيه اللجنة على الشق السوري في التحقيق، وعلى تحديد هويات مستخدمي الهواتف الخلوية وارتباطاتها المحتملة بمشتبهين لبنانيين وسوريين، وقد تؤدي معرفة هويات هؤلاء الى اعطاء البراهين القوية والأدلة الدامغة للافادات الشخصية.

وفي زيارة رئيس "تيار المستقبل" النائب سعد الحريري الى واشنطن، سمع من مسؤولي الادارة الاميركية ومن الرئيس بوش بالذات، كلاما حازما يدعم بقوة مهمة لجنة التحقيق الدولية ويؤكد تمسك الولايات المتحدة الاميركية بالتوصل الى معرفة الحقيقة في جريمة اغتيال الرئيس الحريري وبضرورة الاتيان بالمتهمين أنّى كانوا الى العدالة ومعاقبتهم. وهذا يدل، خلافا لكل تكهن او تصور، على ان لا تسويات في موضوع الجريمة مع أي فريق بما فيه النظام السوري، لان معرفة الحقيقة هي السبيل الى حماية لبنان والمنطقة من خطر الفوضى والاغتيالات وجعل العلاقات اللبنانية – السورية تبنى على أسس سليمة وصحية وصحيحة، في ضوء نتائج التحقيق، وهي نتائج جعلت رئيس لجنة التحقيق برامرتس يؤكد في تصريحاته الاخيرة لشبكة "سي ان ان" الاميركية ميله نحو الربط بين الاغتيالات الاخيرة في لبنان التي تلت اغتيال الحريري، وهو ما كان أكده سلفه القاضي ميليس.