نعرف عن الدانمارك ودول اسكندنافيا الاخرى، انها بلاد الحرية والنظام. ونعرف انه في هذا البلد الحر والديموقراطي، لا يحق لك ان ترفع صوت الراديو خارج جدران منزلك، لكي لا تتسبب بازعاج لجارك. ولا يحق لك ان تشوي اللحم في حديقة منزلك لان جارك قد يكون نباتيا. ولا يحق لك اقامة مزرعة للبقر، اذا لم تؤمن خدمة موسيقية تنام العجول على هدهدتها ولا تصاب بقلق في الليل.

الحرية في الدانمارك، هي ان تحترم مشاعر الآخر، وان تلتزم الاخلاقيات الاجتماعية، واول اعراف ومبادئ هذه الاخلاقيات، الغاء الشعور العنصري من الممارسة اليومية. وهناك عقوبة بالسجن اذا كتبت او تحدثت عن الافارقة او الصينيين او قلت ان البلجيكيين اغبياء. و«الحرية» التي مارسها رسام غبي تقع تحت طائلة القانون وليس ضمن حرية القول. وقد مارس الرسام غباءه الفظ بلا انضباط، لكن الحكومة الدانماركية وجامعات كوبنهاغن والمؤسسات العلمية والفكرية، لم تسارع الى احتواء الارتكاب. ولم يدرك احد الفارق بين التعرض للمفاهيم او الشعوب الاسلامية، وبين التطاول على شخص الرسول صلى الله عليه وسلم وهالته ومقامه.

لقد مارست حكومة الدانمارك غباءها بحرية مطلقة عندما اعتبرت ان المسألة مسألة صحيفة حرة ورسام. فقد سبق للعالم وعاش تجربة مماثلة مع سلمان رشدي وحريته في الكتابة. وليس صحيحا على الاطلاق ان القانون الدانماركي بلا ضوابط واحكام. فليس في امكان جريدة ان تعيد نشر خطاب لهتلر. ولا في امكان رسام كاريكاتور ان يهزئ ارييل شارون. أو بوذا. أو كونفوشيوس.

لقد قتلت ريشة رسام، عقودا صرفتها الدانمارك في سبيل صورتها في العالم العربي والاسلامي. وكان الدانماركيون يكتبون شارة «الحلال» على كل علبة تنك يصدرونها. وكادوا يكتبون ذلك على علب الزبدة واللبن. وفجأة اطل رسام يتسلى. ولم يرد الاكتفاء بصورة الاعرابي والخليجي والفلسطيني، بل حملته عربدته الى الرمز الاعلى.

في الخمسينات منعت اميركا المساعدات عن مصر في بناء السّد العالي، لان اقامة السد سوف ترفع من انتاج القطن المصري، وهذا بدوره سوف ينافس القطن الاميركي. اما هذا الغباء في كوبنهاغن فقد ترك لثور يحمل ريشة ان يرفس مواسم الدانمارك الى سنوات غير معروفة.