يصعب جدا بل يستحيل ادراج الرسوم الدنماركية واستنساخاتها الاوروبية التي تناولت النبي محمد صلى الله عليه وسلم ـ يستحيل ادراجها ـ تحت عنوان حرية الرأي والتعبير على رغم احترامنا مبدأ الحرية وتمسكنا بحق كل انسان بها وفيها فالحرية منذ بدايات تشكّل الوعي الانساني لم تكن مطلقة ولا منفصلة عن الاخلاق والمعرفة بل كانت وما زالت وستبقى نسبية مثل كل شيء في هذا الوجود اي انها محدودة بالآخرين وعندما تنفلت الحرية من عقال الاخلاق والمعرفة واحترام حقوق الآخر واحترام مبادئ العدالة والاخوة الانسانية تتحول بالفعل الى احتمالات العدوان والعنف والارهاب المعنوي والمادي وسائر اساليب الاساءة والإيذاء‚

لا مجال هنا للتوسع في جذور هذه المسألة فكريا وقانونيا وتاريخيا ولذا نكتفي بالاشارة الى القوانين التي ترعى الحريات في اوروبا ولا سيما في دول الاتحاد الاوروبي وهي كلها تلتقي عند نقطة واحدة تمنع تجاوز ممارسة الحرية نحو الاعتداء على الآخرين في كراماتهم وسمعتهم حتى لو كانوا اقل من الانبياء فكيف يمكن في هذه الحالة ادراج تلك الرسوم العدوانية الحاقدة تحت خانة حرية الرأي كما حاول كثيرون من الاوروبيين تبريرها؟

لقد ارتضوا لانفسهم ان يتنكروا لثقافة قانونية يعيشونها وكأنهم ارادوا ان يكشفوا بطريقة غير مباشرة عن نظرة عنصرية استعلائية تجعلهم يبررون لانفسهم الاعتداء على الآخر باسم حرية الرأي والتعبير وعندما خافوا على مصالحهم الاقتصادية بعد ردة الفعل الشعبية العربية ـ الاسلامية الغاضبة اخذوا يطلقون عبارات الاعتذار الخجولة‚ والتفسيرات التي هي اقبح من الذنوب فكشفوا عن وجه آخر هو عقلية السوق وما كان ينقصهم من الصلافة سوى ان يقولوا لنا «نريد ان نهينكم ونريد ان تشتروا بضائعنا كي نستمر في تمويل اقتصادنا» بل قالوها فعلا ولو باسلوب غير مباشر عندما تحرك عدد من السفراء كي يحموا الاسواق تحت عنوان الدبلوماسية فكانوا ان برهنوا على ان الرسوم لم تكن خطأ بل كانت امرا متعمدا يشوه مفهوم الحرية ويشكل اعتداء سافرا على الحد الادنى من اخلاقيات الإعلام مثلما يشكل اعتداء اشد على الاسلام والمسلمين‚

والمسألة ايضا ابعد من ذلك فلو كان صحيحا ـ وهو غير صحيح ـ ان القضية هي حرية رأي كما يزعمون فأين كانت هذه الحرية عندما تعرض المفكر الفرنسي روجيه غارودي للمحاكمة والاهانة لمجرد انه وضع اسطورة المحرقة الهولوكوست تحت مجهر البحث العلمي ولماذا لم تقف الصحافة الفرنسية موقف المتضامن معه تحت شعار حرية التعبير مثلما وقف بعضها حاليا مع تلك الصحيفة الدنماركية وتحت الشعار نفسه؟‚ ولماذا في مجال آخر منع مجلس الاعلام الفرنسي قناة المنار من البث الى اوروبا ما دام الاوروبيون يحترمون حرية الرأي والتعبير؟ ولماذا غضب الفرنسيون عندما سخرت من عاداتهم احدى الصحف الاميركية ونشرت رسما كاريكاتوريا يعبر عن هذه السخرية فاستنكروا وردوا ولم يسكتوا احتراما لحرية الرأي؟

الامثلة كثيرة وهي كلها تكشف التناقض الذي يكشف بدوره عن فضيحة سياسية وعنصرية تتمثل في الفصل بين الحرية والاخلاق وتتمثل في ممارسة الحرية لخدمة المصالح الغربية والصهيونية حتى ولو طالت هذه الممارسات جوهر المقدسات الايمانية والدينية عند الشعوب‚‚ فهل من المستغرب ان تظهر ردة الفعل التي ظهرت عندنا؟ اننا نمارس بذلك حرية الرأي والتعبير وما قامت به الشعوب الاسلامية كان طبيعيا وضروريا‚