البروفسورأوربان فرمولون، أكاديمي بلجيكي معروف في الأوساط العلمية كخبيرفي التاريخ و العالم الإسلامي، له علاقات واسعة و وثيقة مع العديد من المفكرين و المثقفين و الدبلوماسيين العرب سواءاً ممن يعيشون في أوروبا أو في البلدان العربية و يحرص على زيارة الشرق الإسلامي بإنتظام و يواظب على متابعة أزماته و تناقضاته باستمرار. أتذكر جيداً قبل أعوام، اثناء دراستي في كلية الآداب – قسم الدراسات الشرقية في جامعة لوفن البلجيكية و تحديداً في أحدى محاضراته في مادة التاريخ الإسلامي أن توقف ملياً و بإستغراب شديد عند الخصوصية السورية فيما يتعلق بتعامل الدولة و السلطة السورية مع قضية الدين، فقال بما معناه أن " سوريا تكاد تكون الدولة الوحيدة في المنطقة العربية التي يستطيع فيها المواطن السوري سب اقدس المقدسات و خاصة الإسلامية منها دون أن يتجرأ أحد على مساءلته أو محاسبته..".
التظاهر أمام السفارتين الدنماركية و النروجية و إحراقهما في دمشق على مرأى من السلطات السورية و أجهزتها الأمنية على خلفية نشر صحافة البلدين صور كاريكاتورية عن الرسول محمد ( ص)، سابقة إستثنائية من العيار الخاص في سلوك النظام السوري و ينطوي على دلالات خطيرة سنأتي على ذكرها لاحقاً. فالتحركات الشعبية التي إجتازت الشوارع العربية بعد مرور أكثر من ثلاث أشهر و بشكل مفاجئ تستدعي التوقف و التفكير ملياً بالسؤال التالي: من المستفيد من الإساءة الإعلامية الدنماركية للرسول العربي محمد؟ فليس من قبيل الصدفة أن تنحصر التحركات العنيفة ضدالمؤسسات الدبلوماسية الدنماركية و النروجية بشكل خاص في مثلث جغرافي ( سوريا، فلسطين و لبنان ) في حين أن الإحتجاجات في الأصقاع الأخرى كانت سلمية، و التحرك اللبناني الذي أعقب مثيله السوري و ماثله في الشكل و المضمون من حيث النتيجة لا تساهم سوى في تعزيز مشروعية البحث عن المستفيد من فعل الإساءة التي لا يختلف عليها إثنان.

السلطات اللبنانية ألقت القبض على العديد من الأفراد السوريين و الفلسطينين، و ثمة إعتقاد أن هؤلاء هم من صعدوا الإحتجاج الى شكل الإقتحام، فإحراق مبنى السفارة الدنماركية و تسببوا بالفوضى و زعزعة الأمن و استهدفوا بعض الكنائس في بيروت. المعطيات الواقعية تشير الى أن النظام السوري أراد أن ينفك من عزلته الدولية و الإقليمية من خلال تسييس قضية الإساءة الى الرسول و توظيفها بالشكل الذي يؤدي الى إثارة مشاعر المسلمين وتأجيجها بغية حرفها عن النطاق المحدود،المحكوم – إفتراضياً- بحل دبلوماسي و أخلاقي من خلال القبول بصيغة الإعتذار التي قدمتها الجريدة الدنماركية و تصريحات المسؤولين الدنماركيين الإيجابية.

لهذا لا يعد الأمر أكثر من مساعي دنيئة و فتن خبيثة تعكف الانظمة الفاسدة في المنطقة على ممارستها بغية التهرب من أزماتها و مشاكلها علماً انها كانت و ماتزال الأكثر إساءة للمقدسات و الشرائع السماوية السمحاء. فالنظام السوري على سبيل المثال كان عبر عقود من الزمن الأشد و الأعنف على محاربة التوجهات الإسلامية في المجتمع السوري، و زهق في سبيل الحفاظ على حكمه أرواح أكثر من 30 ألف مواطن سوري في حماة و حلب في عام 1982، وزج الالاف من الإسلاميين في السجون و المعتقلات السورية. و لعل المعتقلين السوريين مايزالون يتذكرون كيف أن رموز الأجهزة الأمنية و عناصرها كانوا يهينون الأنبياء و الرسل الصالحين في أقبية التعذيب. لهذا من المهم التذكير أن المستفيد من الإساءة الى الرسول الكريم هم الأنظمة العربية الفاسدة و في مقدمتها النظام السوري، هذه الأنظمة التي تحاول عبثاً إلهاء مواطنيها في قضايا خلف المحيطات و القارات و حرف إنتباها عن القضايا الداخلية المرتبطة بالتغيير و الإصلاح و إشاعة الحريات و تحرير الرقاب و العباد من إستعبادها و قهر سياساتها و أساليبها المشينة المخالفة للقرآن و سنة الرسول محمد( ص).