لم تعد الحكومة تعرف من أين تبدأ في معالجة المشكلات التي تواجهها بفعل التطورات المتسارعة. فما ان تم التوصل الى حل مشكلة اعتكاف وزراء "التحالف الشيعي" كي تستطيع مضاعفة نشاطها واعطاء مزيد من الانتاج والانجازات لتعويض الوقت الذي ضاع بسبب هذا الاعتكاف، اذا بها تواجه مشكلة أمنية خطيرة نجمت عن تظاهرة الاحتجاج على الاساءة للدين الاسلامي في الدانمارك. وأدى اندساس عناصر الشغب فيها الى حصول اعتداءات على اماكن عبادة للمسيحيين وعلى الممتلكات الخاصة والعامة بحيث باتت هذه التظاهرة موضوع استنكار وشجب من قبل المسلمين والمسيحيين على السواء.

وهكذا باتت المشكلة الامنية في البلاد تتطلب معالجة جذرية كي لا يتكرر ما حصل خصوصا في وضع أمني هش قابل للتدهور في أي وقت والمتربصون بالسلم الاهلي ما فتئوا يحاولون ضربه علهم يتوصلون الى اثارة الفتنة بين المسيحيين والمسلمين وذلك منذ ان أخذت التفجيرات تستهدف مناطق المسيحيين دون سواها، من دون التوصل الى معرفة المسؤولين عنها. وقد وجد هؤلاء في تظاهرة الاحتجاج على الاساءة للدين الاسلامي فرصة لدس عناصر الشغب والتخريب فيها بهدف تحويلها الى تظاهرة تستفز مشاعر المسيحيين وتهدد السلم الاهلي والعيش المشترك.

لذلك يرى وزير سابق للداخلية، تداركا لتكرار ما حصل عدم الترخيص لأي تظاهرة ما لم يوقّع الداعون اليها تعهدا بتحمل كل مسؤولية عما قد يحصل من أعمال عنف وتعديات على الممتلكات العامة والخاصة، وأن يتم رسم خط سير لها لتحاشي المرور في مناطق حساسة قد يحصل فيها احتكاك يعرّض السلم الأهلي للخطر، ولا ينبغي من جهة أخرى تحميل خزينة الدولة بعد كل أعمال عنف وشغب دفع قيمة الاضرار التي يتسبب بها عناصر مدسوسة في التظاهرة لئلا يشجع دفع مثل هذا التعويض المخربين على تكرار فعلتهم اذا لم تنزل بهم أشد العقوبات.

لقد اصبح همّ الأمن في البلاد يتقدم أي همّ آخر، فكيف السبيل الى معالجة هذه المشكلة معالجة جذرية، لأن لا رغيف بدون أمن ولا أمن بدون رغيف.

يقول مصدر وزاري ان تحقيق الامن الثابت والدائم يتطلب ان تكون الدولة دولة، وأن لا يبقى سلاح خارج شرعيتها يهدد أمنها وأمن المواطنين، ويتحول حاملوه مع الوقت دولة ضمن الدولة، التي يحظر عليها دخول المناطق التي تسيطر عليها مجموعة المسلحين، وأن تكون عين الاجهزة الامنية ساهرة باخلاص، على أمن البلاد والعباد وأن يتم تطهيرها من العناصر المشبوهة والمتواطئة أو الموالية لجهات لا هدف لها سوى العبث بالأمن.

ويضيف المصدر نفسه ان التوصل الى تكوين أجهزة أمنية نظيفة وسليمة ومخلصة في عملها لمصلحة البلاد وأمن المواطن يحتاج الى اجراء حركة تشكيلات ومناقلات واسعة وتعيينات يوضع فيها الرجل المناسب في المكان المناسب، وان تسرع الدولة في اقامة شبكة استخبارات واستقصاءات لجمع المعلومات عن كل تحرك تقوم به عناصر مشبوهة، وان تتولى مروحيات عسكرية مراقبة الحدود بعد سدّ كل المعابر المفتوحة لمراقبة أي تسلل سواء للأفراد او للأسلحة، فاذا حصل خلاف داخل الحكومة أو بين أهل الحكم على تحصين أمن البلاد باجراءات ضرورية ينبغي اتخاذها، باثارة خلافات حول التشكيلات والتعيينات لبلوغ هذه الغاية، فإن على جميع القيادات السياسية على اختلاف اتجاهاتها ومشاربها ومذاهبها ان تتحمل عندئذ امام الرأي العام مسؤولية عدم المضي في اكمال عملية التغيير التي ان لم تبدأ من فوق، فسوف تبقى ناقصة، ويبقى كل عمل منقوص على كل صعيد، اداري وأمني واقتصادي. فما من مرة في تاريخ لبنان قام فيه نصف حكم او نصف عهد كما هو الحال اليوم بحيث تتجاذب نصف السلطة الجديدة مع النصف الباقي من السلطة القديمة، فلا اتفاق على تشكيلات وتعيينات أمنية او ادارية او قضائية بحيث تبقى البلاد مكشوفة على كل الاحتمالات، بل ان كل عهد كان يأتي بفريق عمله المتجانس والمنسجم ليكون مخلصا للحكم وقادرا على حفظ أمن الوطن والمواطن بصدق وأمانة.

ويختم المصدر نفسه بالقول انه لا يمكن ان تقوم دولة قوية قادرة ما دام فيها دويلات وما دامت الجزر الامنية قائمة وغير مسموح للدولة الدخول اليها ولا اخضاعها لحكم القانون، وما دام قرار الدولة ليس واحدا لا في مواجهة العدو الاسرائيلي ولا في مواجهة المجتمع الدولي رغم تكرار القرارات الصادرة عن هذا المجتمع بدعوة الدولة الى ان تكون دولة قادرة على بسط سلطتها الفعلية على أرجاء الجنوب كافة وان تمارس الرقابة على استخدام القوة فيها وتستأثر باستخدام القوة، وأن ما حصل قبل أيام من خطف اسرائيل للراعي اللبناني في مزارع شبعا وقتله ورد المقاومة على ذلك باطلاق عدد من الصواريخ على المواقع الاسرائيلية داخل هذه المزارع، أظهر ان هذا الحادث صار الرد عليه بقرارين: قرار الحكومة اللبنانية باللجوء الى مجلس الامن وتقديم شكوى ضد اسرائيل على ما قامت به وقرار المقاومة التي ردت على ذلك باطلاق الصواريخ، أي أن الحكومة ردت ديبلوماسيا فيما المقاومة ردت عسكريا. وهذا يطرح سؤالا مهما: ماذا لو أن هذا الرد العسكري غير المنسق مع الحكومة وغير المتكامل معها أدى الى اشعال حرب او الى قيام الطيران الاسرائيلي بتدمير البنى التحتية للعاصمة بيروت، من يكون المسؤول عن ذلك، أهي الحكومة ام المقاومة؟

لا بد حيال هذا الوضع الشاذ في البلاد والازدواجية في اتخاذ القرارات، او الخلاف في اتخاذها لتبقى المعالجات معدومة من الاسراع في حل مشكلة السلاح الفلسطيني داخل المخيمات وخارجها، فلا تظل فئة منهم تعارض التخلي عن هذا السلاح الذي لم يعد له أي وظيفة لخدمة القضية الفلسطينية ولا لتأمين حق العودة بعدما أصبحت مسؤولية ذلك تقع على السلطة الفلسطينية بقيادة حركة "حماس" ومن الاسراع ايضا في الحوار الداخلي للاتفاق على مصير سلاح "حزب الله" سواء وصف بسلاح مقاومة او بسلاح ميليشيا، وأن ما يتفق عليه معظم اللبنانيين هو ان تبقى المقاومة محتفظة بسلاحها الى ان يتم تحرير مزارع شبعا ديبلوماسيا او عسكريا وان تتخلى عن سلاحها بعد تحقيق التحرير والا اعتبرت عندئذ ميليشيا تطبق عليها أحكام القرار 1559.

أما مواجهة الخطر الاسرائيلي الذي يظل قائما مع استمرار الصراع العربي الاسرائيلي، فان مواجهة هذا الخطر هو من مسؤولية الدولة اللبنانية وفق منظومة دفاعية يتم الاتفاق عليها اما داخل المؤسسات او في اطار حوار بين القيادات على اختلاف اتجاهاتها ليكون القرار واحدا في هذا الشأن.