يديعوت أحرونوت

أليكس فيشمان -

عندما ستتشكل حكومة "حماس" ستجد اسرائيل نفسها - على الأقل على المستوى النظري - في حالة حرب. لن يكون هناك استدعاء للاحتياط ولن تندلع النيران، ولكن حكم العامل الفلسطيني الذي سيحاول الدخول الى اسرائيل سيكون مماثلا لحكم العامل الايراني، أي انه سيعتبر مواطنا في دولة معادية ولن يعود أمامه ما يبحث عنه هنا.

عندما يستلم أتباع "حماس" – بطريقة مباشرة أو غير مباشرة - المسؤولية عن جهاز الأمن الفلسطيني، سيتحول كل عناصر الشرطة الفلسطينية الموزعين اليوم على 150 موقعا قرب الحدود مع اسرائيل في شمال الضفة، أتباعا لمنظمة ارهابية. اليوم يجري ضباط الجيش الاسرائيلي الاتصالات معهم، ينسقون ويتحادثون في ما بينهم، وهناك تعاون حقيقي. أما في الفترة المقبلة فسيتحولون الى أتباع لمنظمة ارهابية وسينتهي كل هذا الذي نراه الآن. هذا لا يعني أن اسرائيل ستبدأ باطلاق النار عليهم منذ صبيحة الغد، إلا أنهم سيعتبرون من الآن فصاعدا طرفا معاديا. عندما ستسيطر حكومة "حماس" على مقاليد الأمور ستقطع اسرائيل كل اتصالاتها مع السلطة وممثليها كائنا من كانوا. ذلك لأن كل حوار مع ضباط تقودهم حكومة تسير وفق الايديولوجية "الحماسية" سيكون حوارا مع حكومة تعلن الحرب على اسرائيل.

هذه هي الرؤية الآخذة في التبلور في جهاز الدفاع والجيش في ظل انتصار "حماس" الجارف في الانتخابات وعشية اقامة حكومة فلسطينية. المسألة هنا تدور حول رؤية متشائمة لا تترك مكانا للتأويلات: صعود "حماس" خطر لدولة اسرائيل وعليها أن تبذل كل ما في وسعها لمنع تشكيل هذه الحكومة بما في ذلك حكومة وحدة مُقنّعة أو حكومة يقف في مقدمها ممثلون "معتدلون"، "علمانيون" أو "تكنوقراطيون". بالنسبة لجهاز الدفاع، "حماس" هي جزء لا يتجزأ من "محور الشر". اذا كان هذا المحور يقف عند "حزب الله" في جنوب لبنان قبل اسابيع عدة فقد أصبح ممتدا اليوم الى قطاع غزة ومحوره هو: طهران - دمشق – "حزب الله" – "حماس". هذا طالما لم تلغِ "حماس" ميثاقها ولم تعترف بدولة اسرائيل ولم تتخل عن سلاحها وتعترف بالاتفاقات الموقعة بين اسرائيل والسلطة. هذه هي التوصيات التي سيقدمها جهاز الدفاع للمستوى السياسي.

في هذه الاثناء تعرف أطراف أمنية عليا كيف تشير الى مصائد عدة وضعتها "حماس" في وجه الاميركيين والاوروبيين ومصر ودولة اسرائيل. كل واحد من هذه الأطراف هو جزء من سور تم تشييده في وجه "حماس" في محاولة لاجبارها على التغير الايديولوجي. "حماس" ستحاول فتح ثغرة في هذا السور حتى تتمكن من الخلاص من هذا الضغط. احدى الطرق هي تشكيل سلطة فلسطينية ثنائية الرأس، أي رئيس - أبو مازن - ستتواصل الاتصالات معه والى جانبه حكومة "حماسية" تخضع للمقاطعة. من المحظور على اسرائيل أن تتلعثم وأن تقبل مثل هذا الوضع كما تقول الجهات الأمنية، لأن هذه وصفة مؤكدة لاخراج "حماس" من عزلتها مع بداية ظهور الشرخ الاول في السور الذي ستنفذ من خلاله أطراف اوروبية وغيرها من الباحثين عن طريقة للتحدث مع السلطة حتى وإن كانت "حماسية".

الجهات الأمنية تقول انه من المحظور على اسرائيل أن توافق على وجود سلطة "حماسية"، وكيف يفترض أن يشكل الفلسطينيون سلطة غير "حماسية"؟ الجهات الأمنية الاسرائيلية لا تملك جوابا على ذلك. من وجهة نظرهم، فليذهب الفلسطينيون لانتخابات جديدة، لأن اسرائيل لن تقبل بـ"حماس" في صورتها الحالية.

الفخ الثاني الذي يشيرون اليه في جهاز الدفاع هو ما يسمى بـ"الخطاب المتكتك" الذي يستخدمه قادة "حماس" ويُلقون به في وسائل الاعلام العربية والدولية. هذا الخطاب، كما يقولون عندنا، هو نوع من المخدر الذي يقوم قادة "حماس" بحقنه في المنظومة الدولية واسرائيل. هناك فجوة واسعة بين ما يقوله قادة "حماس" في وسائل الاعلام الدولية علانية وبين ما يتردد عندهم في الغرف المغلقة.

يتبين أنهم يتحدثون على المستوى الداخلي عن استنساخ النموذج الايراني. أي السير مرحلة تلو اخرى وتعويد العالم واسرائيل على فكرة أن الجنّي ليس فظيعا الى الحد الذي يعتقدونه، تماما مثلما حدث بعد صعود الخميني للحكم. في تلك الآونة كما نذكر، تم تشكيل الحكم الايراني من شخصيات معتدلة وبراغماتية وعلمانية. وفي المرحلة الثانية بعد أن ابتلع العالم فكرة الثورة الاسلامية تمت إزاحة هؤلاء الاشخاص وحل رجال الدين مكانهم. مرت سنوات عدة، وعندما أفاق الجميع كان الجنّي الاصولي خرج من القمقم. في اسرائيل يعتقدون أن الحكاية نفسها تنضج هنا.

حتى الأطراف الأكثر تشاؤما في القيادة الأمنية توافق على أن "حماس" لن تنوي الانجرار الى الارهاب غدا، بل على العكس. غالبية التقديرات تتحدث عن هدنة طويلة، هذه الموافقة من قبل "حماس" للتحدث حول التهدئة ستُقابل في اوساط الجمهور الاسرائيلي بصورة حماسية بالضرورة، والعالم ايضا سيصفق لذلك. ولكن هذه النظرية التي تعتقد أن اللحظة المواتية للهدوء ستحدث انعطافة في نهاية المطاف، تبدو خطرة جدا في نظر الأطراف الأمنية في اسرائيل. بالنسبة اليهم يعتبر هذا الأمر نوع من المخدر وخطوة تكتيكية محدودة اخرى من اجل تشويش الصورة علينا.

وبالمناسبة، لا تشارك "حماس" في محاولات "الجهاد الاسلامي" شن العمليات في قطاع غزة، ولا تشارك في اطلاق صواريخ "القسام"، ولا في انشاء البنية التحتية لـ"الجهاد" في سيناء، حيث يجرى التخطيط لشن عمليات داخل اسرائيل عبر الحدود المصرية. "حماس" في غزة تنظر الى ما يحدث - ولا تتدخل. اسرائيل توجه ضرباتها للفلسطينيين في القطاع وتقوم بعمليات اغتيال انتقائية ممركزة فيما تلتزم "حماس" الصمت. "حماس" تبنت استراتيجية "حزب الله" فور فك الارتباط. أي: ان كل ضربة توجهها اسرائيل لسكان القطاع تستوجب ردا من "حماس". ولكنها تقوم الآن بوضع هذه الاستراتيجية جانبا. كل خطوة تُحسب عندهم بدقة. وكل ما قد يُفسد عليهم تشكيل الحكومة يُجمد في الوقت الراهن. هناك دليل واحد، حتى من الشارع، على محاولة "حماس" لاقناع أتباع "الجهاد الاسلامي" بايقاف اطلاق صواريخ "القسام". هذه المحاولة كانت لمرة واحدة، ولم تتكرر ولم تُحدث تأثيرا يُذكر.

معضلة - الحكم أو الارهاب

في اسرائيل يردون سبب ضبط "حماس" لنفسها الى المعضلة التي تواجهها اليوم. في اسرائيل يعرفون أن "حماس" ستضطر للتنازل عن الارهاب، على الأقل في المرحلة الاولى، اذا أرادت البقاء في الحكم. ذلك لأنه لا يمكن - كما تقول أطراف أمنية - الاحتفاظ بالحكم والقيام بأنشطة ارهابية في المقابل. وعليه، ستفضل "حماس" الحفاظ على الهدوء في الفترة القريبة.

حسب تقدير أطراف بارزة في جهاز الدفاع، اقامة حكومة "حماسية" تعني الجمود. لا ممر بين الضفة وغزة. معنى ذلك أن العلاقات التجارية بين غزة والضفة ستكون أكثر تعقيدا لدرجة القطيعة التامة. في المراحل الاولى ستواصل اسرائيل نقل البضائع للقطاع والأنشطة الانسانية ستستمر. في السابق كان شارون يتصور أن غزة ستقطع صلاتها باسرائيل في عام 2008، أما حسب الوضع الراهن، فان الافتراق سيحدث قبل هذا التاريخ.

إخراج الناس الى الشوارع

سلّم التهديدات مختلفة في الوقت الحالي، بالنسبة لقيادة المنطقة الوسطى. حتى الانتخابات كان الاستعداد للعمليات الموجهة ضد العمق الاسرائيلي على رأس الأولويات، ومن ثم الاستعداد للعمليات على محاور الطرق، وأخيرا العمليات ضد المستوطنات اليهودية في الضفة. أما الآن فقد صعدت المستوطنات الى المرتبة الثانية. التقديرات تفيد بأنه اذا نجحت "حماس" في الوصول الى صيغة الهدنة التي تتطلع اليها، فانها ستتبنى الرؤية التي استخدمتها في غزة، أي ممارسة الضغوط على الرأي العام الاسرائيلي بواسطة العمليات في المستوطنات خصوصا المستوطنات المعزولة في الضفة. يعتقد أن "حماس" لن تفعل ذلك حاليا، وستفضل رؤية الحكومة الاسرائيلية الجديدة والسياسة التي ستتبعها ومن ثم ستبدأ في تحريك الجماهير.

"حماس"، خلافا لـ"فتح"، تملك القدرة على اخراج الناس الى الشارع. في البداية ستنظم تظاهرات حاشدة في القضايا الوطنية الاجتماعية مثل الجدار وغلاف القدس، والتي ستُقابل في العالم بالاستحسان والتعاطف. وفي المرحلة الأبعد - كما يقدرون في اسرائيل - ستبني حكومة "حماس" قوة عسكرية على أساس الميليشيات الشعبية التي تقيمها في غزة (المرابطون). امتزاج الأطراف العسكرية لـ"حماس" في الاجهزة الأمنية القائمة سيتمخض عن تشكيل ألوية، على غرار ألوية جيش التحرير الفلسطيني التي شهدناها في السابق. هذا الجيش هو أحد رموز الدولة التي ستكون في هذه الحال - دولة معادية.

هذه الصورة التي ترسمها الجهات الأمنية الاسرائيلية تقلق الاردن ومصر ايضا. في هذه النقطة تبلور قاسم مشترك للتحرك والحفاظ على جبهة منسجمة من اجل محاولة إجبار "حماس" على قبول الاملاء الدولي وتغيير ايديولوجيتها.

التوجه التشاؤمي الذي لا يقبل المساومة والذي يطرحه جهاز الدفاع ليس مصادفة، ليست في ذلك محاولة لتخويف مواطني دولة اسرائيل، بل انها محاولة لرسم صورة بالابيض والاسود، والتي لا تسمح لـ"حماس" بالنفاذ الى المناطق الرمادية وبث الضباب حول نواياها. اذا تشبثت "حماس" بأيديولوجيتها الحالية وقادت الشعب الفلسطيني، فستواجه اسرائيل جبهة شرقية ارهابية رأسها في ايران وجسمها في العراق ولبنان وأرجلها في الضفة وغزة. لذلك، يتوجب حسب التصور الاسرائيلي إبقاء السلطة الفلسطينية – "الحماسية" في حال ضعف وعدم اعتراف دولي وافتقاد للدعم الاقتصادي والسياسي والعزلة التامة بين الضفة وغزة. هذا وضع لن يتيح بقاءها لمدة طويلة.