مضحك وخطير الجدل الدائر حول مسألة الحدود اللبنانية ومزارع شبعا. ولنبدأ من الاخير: فهو امر خطير لانه يتخذ مدخلا للابقاء على سلاح المقاومة من قبل البعض، ومدخلا لنزع هذا السلاح، من قبل البعض الاخر. فالذين يريدون الاسراع في هذه المسالة كي يدخلوا لبنان الى اتفاق 16 ايار جديد ويرفعوا منسوب الضغط على سوريا وفلسطين الى حده الاعلى ، رفعا لن يكون بمعزل عن تفاعلات الازمة الايرانية وسائر القضايا العربية.
فسلاح المقاومة في لبنان هو تهديد للمتأسرلين في لبنان، وهو ضمانة عدم الخنق الكامل بالنسبة لسوريا، وهو بذلك متنفس نسبي للفلسطينيين المقاومين، كما انه تهديد مسلط على المستعمرات الشمالية في الارض المحتلة، في حال فكرت دولة الاحتلال في خوض مغامرة ضد المفاعل النووي الايراني على نمط اوزيراك. من جهة اخرى تكتسي مسألة شبعا قدرا كبيرا من الاهمية بسبب موقعها الاستراتيجي على الحدود الثلاثية بين لبنان وفلسطين والارض المحتلة، وبسبب الموقع المائي لهذه المزارع.

كل هذه الخطورة تضع اسرائيل في مأزق كبير، فاما ان تبقى في شبعا وبالتالي يبقى السلاح في يد حزب الله، واما ان تنسحب من شبعا كي تنزع ذريعة ابقاء السلاح، وتخسر بذلك الانسحاب كل ما تمثله المزارع. ويبدو ان الادارة العبرية غير قادرة على انسحاب جديد من اراض لبنانية تحت ضغط المقاومة، اذ سيعتبر ذلك انتصارا جديدا لهذه الاخيرة، يضاف الى انتصار التحرير الكبير، مع كل ما سينتج عن ذلك من مضاعفات كسر الهيبة الاسرائيلية في داخل اسرائيل وخارجها، وتشجيع خيار المقاومة والصمود، واثبات انه الخيار الوحيد الناجع.
مضاعفات لن تتوقف عند حدود فلسطين ولبنان بل ستطال بالدرجة الاولى العراق، وذاك اكثر ما يخشاه الاميركيون، كما ستطال ايضا الجو السياسي في كل العالم العربي والاسلامي. اذن فاسرائيل مضطرة للبقاء، او للوصول الى الانسحاب عبر تفاوض سياسي، وهنا ايضا لا يمكن اطلاق هذا التفاوض بدون سوريا، ولن يكون الطرف السوري وحلفاؤه في لبنان ضعفاء في هذه الحالة طالما المقاومة باقية.

اذن فالمأزق الاميركي الاسرائيلي صعب، وقد كان من الممكن ان يهون فيما لو حصل التفاوض مع حكومة موالية، ولكن التحالف الذي برز مؤخرا بين حزب الله وميشال عون، رجح وصول العماد الى الرئاسة مدعوما من المقاومة وملتزما بها، مما يعني انه لن يكون بالتالي مفاوضا بدونها. لذا انطلق وليد جنبلاط نافخا في بوقه، ملتحفا خرائطه ليثبت ان المزارع ليست لبنانية. وهنا يأتي الجانب المضحك الذي بدأت به، فمسالة الحدود بحد ذاتها مضحكة لان مطاطيتها وهلاميتها ليست الا نتيجة وهميتها وافتعالها. فاين هي الحدود؟ ومن الذي حددها؟ الا يدرس الطلاب في المدارس اللبنانية جملة: يحد لبنان خط وهمي يمتد من النهر الكبير الجنوبي حتى رأس الناقورة؟ ولمن لا يكفه تعبير الخط الوهمي، ان يعرف ان النهر الكبير الجنوبي هو الذي يحد لبنان من الشمال، اما كيف؟ فلمن يريد ان يسأل ان يذهب الى المرحومين سايكس وبيكو او الى الحي الباقي الحالم من قصر المختارة بتشريح جديد يمنحه دولة درزية تمتد من لبنان الى فلسطين عبر سوريا.