إن موضوع الرسوم المسيئة للإسلام يكرس صراع الحضارات، وصراع الحضارات يكرس استقواء القوي على الضعيف بحجة اختلاف حضارتيهما، بما يستتبع ذلك من السطو على مقدرات الشعوب المستضعفة.

إن العالم الإسلامي يجد بأن هذه الإساءة إلى الإسلام هي تتويج للتعدي على الأمة الإسلامية، وبالتالي يهب دفاعاً عن الرموز الدينية مستخدماً منطقاً وتصرفات تحشد لنقمة عالمية ضد الإسلام، وهو بالتالي يكرس صراع الحضارات.

من منظار الغربيين، هذا التعرض لحرية التعبير هو بدوره تعرض "للمقدسات" العلمانية في مجتمعاتهم، وتحقير لمعتقداتهم. وقد لاحظ المسلمون في أوروبا بأنهم قد دافعوا عن المسيح كشخصية مقدسة في أوروبا في أكثر من مناسبة ويتوقعون من الأوروبيين أن يدعموا دفاعهم عن النبي محمد في المقابل. لكن المجتمع الإسلامي عامة لم يلحظ بأنه يتعاطى مع مجتمع قد اعتنق مقدسات جديدة وهي الحرية وحقوق الإنسان كقيم غير قابلة للمس، أقله من الناحية النظرية.

أما بالنسبة للمفكرين العرب، فقد وجدوا بأن الأمة العربية والإسلامية تُستغل اقتصادياُ من قبل الغرب، كما أن الدين الحنيف لهذه الأمة يتعرض أيضاً للإهانة. فكان الرد بوجوب احترام المقدسات الدينية لدى المسلمين وعدم التعرض لها من قبل الغرب، كما وازنوا هذا الاقتراح بملامة العنف في ردود الفعل من جهة الشعوب الإسلامية.

هنا يستحسن تحديد العلاقة بشكل أوضح ما بين التعرض للمقدسات الدينية والاضطهاد الاقتصادي. إن تأجيج المسألة الدينية يصب في خانة الاستغلال الاقتصادي. يمكننا أن ننظر إلى مسألة الرسوم على أنها مسألة اضطهاد ديني يتوج الاضطهاد السياسي والاقتصادي، ومن هذا المنطلق تكون ردة الفعل البديهية الدفاع عن المقدسات كأولوية في هذا الصراع. إن هذا المنطق بحد ذاته يتعامل مع هذه الأزمة من منطلق ديني، ويكرس لحروب دينية بين الإسلام وبين الدين الجديد في أوروبا وهو العلمنة والحرية. هذا المنطق يكرس أيضاً صراع الحضارات، وصراع الحضارات ليس في مصلحة الشعوب التي لا تملك القوة العسكرية والاقتصادية والعلمية، أي ليس في مصلحة شعوبنا العربية والإسلامية.

يمكن للرد على هذه الرسوم أن يكون برسوم كاريكاتورية (وبهذا تَحاكي للحضارات، أو حوار في ما بينها) تنتقد انحراف الغرب عن قيمه المعلنة (أو مقدساته) في ما يتعلق بالحرية وحقوق الإنسان بما يبين تجاوز بعض الدول الغربية لهذه القيم بسطوها المشرعن على مقدرات الشعوب وبالتالي الإبقاء عليها قدر المستطاع في سجن الفقر والتخلف بما ينافي كل قيم الحرية والكرامة البشرية.

على مجتمعاتنا أن تنتقل من مستوى رد الفعل إلى مستوى الفعل المنبثق من النظرة العاقلة والمستنيرة التي تأخذ في الحسبان مصلحة شعوبنا في المديين القريب والبعيد.