مسعود عكو

لم تكن تدري أطوار بهجت بأن ربيعها الثلاثين سيكون شتاء قارساً, تطال فيها أيادي الظلام الداكن الممزوج بالإرهاب الدموي, لتقطف زهرة كانت في أوج عطاء عبق الزيزفون الحزين, وتقصف قامة كنخلة شامخة على أرض الرافدين الدامي, والكئيب لتأخذ روحها أنين الأيام القادمة, ويبكي ذلك الحجل الحزين أطوار, وزملائها.

فداء الكلمة الحرة, والخبر اليقين شهيدة الحقيقة, والكلمة. أطوار بهجت تفارق العربية بثوب عروس ملطخ بالدم, قبل أن يحضنها عريسها, تتكالب عليها أيادي الوحوش البشرية, وقبل أن يقبلها ذلك البائس كانت سكرات الموت أقرب إليها من حبل الوريد, رحلت دون أن تشبك أيديها بأيد من كان ينتظر قدوم طلتها البهية, فكان اللحد غرفة نوم حقيرة, وارتدت ذلك التراب الباهت البارد بدلاً من ثوب زفافها, وبيانات الاستنكار, والتنديد هي بطاقة دعوى لعرسها الذي حصل في آخر ليلة كئيبة ظالمة.

لو فكر ذلك الإرهابي قليلاً قبل أن يغتصب أرواحاً بريئة تنقل رسالته التي يريدها للعالم كله, تكتب, وتتكلم, وترسل كل ما كان يجري, كانت تساعدهم على أن توصل مطالبهم للعالم كله, هذا إذا كان إرهابهم فعلاً لأسباب, وأهداف تهم الوطن العراقي, إن لم يكن فقط ثلة قتلة مأجورين يقبضون أثماناً بخسة لينتزعوا الأرواح من أصحابها فأي نضال, ومقاومة, وجهاد تتذرعون به أيها الأوغاد.

العراق هذا البلد الكئيب الجريح, كتب عليه الموت, وهو حي كتب عليه الشقاء في فرحه, وسعادته منذ بدايته, وهو يعيش تحت وطأة الموت, والدم والقتل, والإرهاب. من حمو رابي إلى قاطعي رؤوس الرعية الحجاج ابن يوسف الثقفي إلى الدكتاتور الجبان صدام حسين. معظم حكامها أوغاد حكموها بالنار, والحديد, وخلقت لدى ضعفاء النفوس فيها شهية حيوانية دموية للقتل, ومص الدماء فدراكولا العراق أكثر دموية من كل مصاصي دماء الكون فأي ذنب اقترفته يا عراق, وأي كبائر ارتكبتها يا أرض النخيل.

بعد تفجير مرقدي الإمامين الشيعيين علي الهادي, وحسن العسكري في مدينة سامراء, وفي منظر إرهابي يخلق مناخاً ملائماً لحرب طائفية ستحصد الأخضر, واليابس لو اندلعت في بلد متخبط كالعراق الذي يعيش في شتات, وضياع أمني, وحكومي إلى هذه اللحظة أدى إلى تظاهر طائفي من نوع أخر, وتم إحراق مساجد السنة في ردة فعل كان ينتظرها من قام بتفجير المرقد الشيعي في سامراء ونجح في ذلك.

الآلاف من هذه العمليات التفجيرية الإرهابية, تحصد يومياً أرواح عشرات, بل مئات العراقيين البائسين, والذين لا حول لهم, ولا قوة. كان أحدهم يسير بجانب حاط, أو يبتاع لأبنائه حاجيات في سوق, أو يتعبد الله في حسينيته أو مسجده فأي ذنب اقترفه ذلك البائس حتى تتشظي أشلاءه تأبى الوحوش الوقوف عليها في منظر يرعب الحديد, والحجر, ويتلذذ بذلك ذلك السادي الإرهابي, وقد وصل مخططه إلى نهايته بنجاح طبعاً.

أسئلة كثيرة لا تزال أسيرة أجوبة حزينة كئيبة مبهمة, كنت أتساءل بيني, وبين نفسي من المستفيد من هذا كله, وأين وما هي الفائدة من قتل صحفي, أو مراسل, أو بريء لا دخل له في كل شيء يريد لنفسه, ولزوجه, وأبناءه حياة تشبه حياة البشر, وقد يموت دونها. فأين هي المشكلة؟ هل تكمن في شعب عاش لمئات العقود تحت وطأة القمع؟ فانهال من ثقافة دموية لا يمكنه أن يفارقها, والذي يعمل ضده تكون نهايته أشلاء مقطعة, وجسد متناثر هنا وهناك, أو جثة هامدة يأبى أي مشفى استقباله لامتلاء برادتها بالمئات من مثيلاته.

أطوار, وزميليها عدنان, وخالد طوبى لكم هذا الموت العظيم اعلموا بأنكم كنتم تقدون مضجع هؤلاء الإرهابيين, والقتلى, وماصي دماء البشر, وآكلي لحومها, وأعلموا بأن من قتلكم هم أنفسهم من فجر ضريح الإمام علي الهادي, وحسن العسكري. كانوا يريدون منكم السكوت, والصمت, ومنع نقل الحقيقة. لكنكم! أبيتم إلا نقلها لكل العالم بأن هناك إرهاب منظم تحركه أيادي خفية, تريد إشعال نار الطائفية, وإحراق العراق لكنكم استبسلتم في نقل الصوت, والصورة الحقيقة الكامنة وراء ذلك الإرهاب المتفشي في كل العراق, ولا تبتئسوا, ولا تحزنوا إن الله معكم, ولا صوت يعلو فوق صوت الحقيقة التي دفعتم حياتكم من أجلها فطوبى لكم, ولكل من كان يماثلكم في الفكر, والعزيمة, والقوة, والجرأة, والشجاعة, والخزي, والعار للقتلة, والسفلة, والإرهابيين في كل مكان.