عادت الزميلة «الهلال» في عددها الحالي إلى اثارة موضوع يثيره كل مرة باحث عن اثارة. والموضوع ان امين الريحاني، المؤرخ والكاتب اللبناني، الذي جال في الجزيرة والخليج اوائل القرن الماضي، كان عميلا للاميركيين وخادما لمخططاتهم. المؤسف انه بعد 85 عاما على رحلة الريحاني الاولى الى نجد، وبعد 65 عاما على وفاته، لا يملك احد الثبت الحاسم في المسألة. وقد اعتمدت «الهلال» الوثائق الأميركية المفتوحة للجميع في «المحفوظات الوطنية». وأي مقارنة بسيطة او عابرة، بين الكتب التي وضعها الريحاني و«الوثائق»، تؤكد ان تلك الوثائق كانت مجرد ملخص لما نشر في كتبه في صورة مفصلة.

وربما فات مؤرخو الريحاني كعميل او اجير، اضطلاع رسالته الأولى إلى الخارجية الأميركية، التي يكلف نفسه فيها القيام بالرحلة لانه يريد ان ينبه أميركا إلى «منطقة فقيرة لكنها ذات تاريخ عظيم». وكان رأي الريحاني ان اميركا الخارجة من عزلة «مبادئ مونرو» إلى انفتاح «مبادئ ولسون» يجب ان تتعرف إلى بلاد الاسلام.

اي قراءة لنصوص الريحاني تفيدنا بان الرجل كان يشدد على الوحدة العربية في الجزيرة اينما ذهب. وفي رسائله الى الملك عبد العزيز اوائل الثلاثينات كان يشدد على ان محاربة النفوذ الصهيوني تبدأ في اميركا نفسها، لان بريطانيا امبراطورية زائلة.

اميركا التي عرفها الريحاني قبل حوالي القرن كانت مناهضة للاستعمار وتتحدث عن حقوق الشعوب. والسي. اي. ايه تأسست بعد وفاته. وان تكتشف «الهلال» ان الريحاني عمل في خدمة الحكومة الأميركية بعد فشله في دراسة الحقوق وفي التمثيل المسرحي، فهذا ايضا لا يتطلب اكثر من قراءة سريعة في سيرته. فهو لم يفشل كممثل ولكن الفرقة التي هو فيها افلست، ولم يفشل في دراسة الحقوق، بل اعتلت صحته فنصحه الاطباء بالسفر إلى لبنان. ومن المستحسن ان نذكر في هذا الباب ان الرئيس انور السادات اخفق هو ايضا في التمثيل، لكنه اصبح رجل 6 اكتوبر، حيا وميتا.

اتمنى ان تكون الزميلة «الهلال» قد حققت زيادة في التوزيع من حكاية الريحاني والعمالة لأميركا. وان تخصص ذات شهر عددا حول اصول كتابة التأريخ. كأن توضع الاشياء في سياق مرحلتها واطار احداثها. وعندها يصبح من الممكن ان نستنتج: هل كان الريحاني عميلا لاميركا، ام انه حاول ان يصحح جهلها في ما لا تعرف، وان يدلها على ما كان يجب؟