بداية نقول: يجب ان تكون نتائج الانتخابات الفلسطينية غير مستغربة على الاطلاق، بل انه وفي ظل الظروف الاقليمية الحالية، فانه يمكن اعادة بلورتها بالشكل نفسه تقريباً في كثير من الدول العربية.

الناخب الفلسطيني الذي يريد التغيير، تم حشره لسنين عديدة بين مطرقة تفرد البعض بالسلطة من حيث الحكم والمفاوضات، وبين الفساد الحكومي الذي استشرى، فقرر ان يقول كفى، خصوصاً بعد غياب الزعيم الكاريزمي لفتح ياسر عرفات، الذي كان له تأثير نفسي هائل على قرار كل مواطن فلسطيني وحتى عند صندوق الاقتراع. لقد بدا للناخب الفلسطيني ان التفاوض الذي اصبح مهنة العديد من السياسيين والدبلوماسيين الفلسطينيين هو شبه غاية في حد ذاته. اسرائيل لديها اجندتها منذ البداية وهي معروفة، اطالة مفاوضات السلام عند كل فرصة والى الابد اذا كان ذلك ممكناً. ولكن السؤال هو عن الجانب الفلسطيني الذي اصبح يبدو وكأنه يهدف الى الشيء ذاته، عن طريق امتهان فن المفاوضات وجعلها الاستراتيجية الوطنية بشكل منفصل عن التحرير.
آن الاوان للفلسطينيين ان يجددوا طاقمهم التفاوضي من اساسه وان يقدموا اشخاصاً يمكنهم التفاوض باسلوب يلائم المرحلة الجديدة. ما الجديد الذي يمكن ان تقدمه مجموعة فاوضت الجميع من اسرائيليين وامريكان واوروبيين وروس وامم متحدة وحتى العرب لاكثر من خمس عشرة سنة متتالية؟ الم ينته ما في جعبتهم من قدرات وامكانات واساليب، وكم بقي لديهم؟ كم مرة تغير الطاقم المعني بالتفاوض على الجانب الاسرائيلي والاميريكي والاوروبي خلال تلك الفترة ونحن كما نحن؟ الم تعد كل اوراقنا وتكتيكاتنا واساليبنا ومهاراتنا الشخصية معروفة ومكشوفة لكل هؤلاء، واصبح بمقدورهم التنبؤ حتى بما سيقول المفاوض الفلسطيني في كل لحظة وموقف؟
ادرك الناخب الفلسطيني ان مفاوضه فقد بوصلته منذ زمن، فالمشكلة هي الاحتلال العسكري للارض العربية، وليس الرئيس او السلطة او العاصمة او الشرطة والحدود والاصلاح والاعتراف بالمفاوض الفلسطيني من عدمه.. الى اخر هذه الدوامة من فوضى الاولويات، التي نجحت اسرائيل ومن خلفها الماكينة الصهيونية العالمية في زج كل العرب بها بطريقة مكشوفة.

وفي الخط الحكومي لم تصلح السلطة نفسها (التي قادتها وسيطرت عليها فتح بالكامل) بل تركت الفساد يتآكلها وعلى جميع المستويات من غير ان تحرك ساكنا، بينما تضرب حماس من اسرائيل وتقاطع من قبل اوروبا وامريكا والسلطة نفسها من حيث المفاوضات والحكم، فكان من الطبيعي ان يطلب منها الشعب النجدة. الانظمة العربية يمكن ان تستفيد من درس فتح وتحارب الفساد بجدية وترفع من جرعات الحرية والديمقراطية قبل ان تكتسحها حماسات اخرى اجلاً ام عاجلاً.
فتح قد لا تستطيع اعادة انتاج ذاتها، بالرغم من كل ما تملكه من خبرة ورجال مهرة وعلاقات كثيفة وموارد. من الممكن ان يكون دورها السياسي ككتلة واحدة قد انتهى، وسيبدأ التناحر بين قادتها، مما يؤدي الى ان تتفكك الى احزاب سياسية متعددة، يمكن لاقواها ان ينافس حماس في المرة القادمة. السؤال المفتوح هو كيف يمكن لحماس ان تحكم اجهزة مدنية وامنية جميع كوادرها وقياداتها من فتح، ولا تعرف غير فتح تاريخاً او منهجا او فلسفة؟