هآرتس

عاموس هرئيل

في الضفة: ليس مجرد استفزاز إسرائيلي
ولدت العملية الواسعة للجيش الاسرائيلي في نابلس والتي اطلق عليها اسم "بريق شمالي" في اعقاب الانتخابات الفلسطينية البرلمانية. لكن هذه العملية لم تأت كما يصفها قادة حماس في سياق عملية استفزاز اسرائيلي هدفه ارباك الحكومة العتيدة للسلطة. ثمة تفسير آخر. منذ اعلان التهدئة في المناطق الفلسطينية في كانون الثاني من العام الماضي، كان في هذه التهدئة شريكان كبيران: حماس التي فرضت على عناصرها الامتناع عن تنفيذ عمليات، والسلطة الفلسطينية التي اشترت بالرواتب والتسهيلات قادة عصابات فتح لاخراجهم من الدائرة الارهابية.
الا انه ومنذ الانتخابات، فقد كبار مسؤولي الاجهزة الامنية الفلسطينية الدافع للعمل، وأبقوا الساحة خالية لقادة الجهاد الاسلامي في دمشق. هذه الحركة المدعومة ماليا من ايران تحوِّل الان الى المناطق الفلسطينية مبالغ مالية كبيرة، بهدف تشغيل اكبر عدد ممكن من المجموعات في تنفيذ العمليات ضد اسرائيل.
قادة المجموعات المحلية لفتح، الذين فقد بعضهم الدعم المالي الجاري من الاجهزة الامنية، عادوا الى الارهاب، في ظل الدافع الاقتصادي القادم من دمشق. وهذه الامور برزت تحديدا في نابلس، حيث ان الذراع العسكرية لفتح بمختلف فصائله كان يشكل الاطار الاساسي في السنيتن الاخيرتين، بعد مرور شهر على الانتخابات فقط، صادر الجيش الاسرائيلي اربع احزمة ناسفة حاول نشطاء من فتح والجهاد الاسلامي، تهريبها من المدينة لتنفيذ عمليات داخل اسرائيل. وفي حادثة اخرى ارسل من نابلس ناشط من الجهاد الاسلامي وفجر نفسه في المحطة المركزية القديمة بتل ابيب.
بدأوا في الجيش الاسرائيلي يخشون من ثلاثة مدن. تشكل اليوم بؤر الارهاب في الضفة: جنين وطولكرم بالاضافة الى نابلس المحببة. والاستنتاج كما يقول قائد الحملة العقيد يوفال بيزك لصحيفة "هآرتس" هو انه لم يعد يكفي الانتشار الدفاعي ضد الارهاب والذي يتمثل بتكثيف الحواجز وحملات الاعتقال الموضعية، "مثلما في لعبة التنس، عندما يصبح الخصم أكثر هجومية، لا يمكنك ان تكتفي بضربات من الخط الخلفي".
يوم الاحد من هذا الاسبوع دخلت قوات كبيرة من المظليين، وكتيبة حروب الى معسكر اللاجئين وهي القصبة المجاور. وكانت العملة تهدف الى اخراج مجموعات الارهاب في المدينة عن توازنها. فتم اعتقال عدد من المطلوبين المركزيين، والبعض الآخر هرب الى حي القصبة، حيث ظهروا على الارض فجأة، الامر الذي جعلهم يخلفون وراءهم آثاراً استخبارية ما ادى الى اعتقالهم من قبل الجيش.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه الان، متى من الصحيح وقف العملية؟ مع خمسة جنائز في يوم واحد في نابلس، وبغض النظر عن هوية القتلى. ومعروف انه كلما امتد عمل قوات عسكرية في منطقة مكتظة بالسكان، فان الخطر يزداد على حياة الجنود. ويضاف على ذلك الوضع السياسي غير المستقر داخل السلطة، وامكانية ان يحاول الفلسطينيون اشعال جبهة القسام في حدود قطاع غزة، انتقاما لخسائرهم في نابلس. الخلاصة هي انه بقيت للجيش ايامٌ معدودة للعمل، الا اذا برزت "قنابل موقوتة" الامر الذي يبرر مواصلة تعقبها.
في القطاع: الضباط في الجانبين يريدون التعاون
صواريخ القسام تطلق، بهذه الوتيرة او تلك، كل يوم من القطاع نحو النقب الشمالي والغربي، فلماذا رد على ذلك سلاح الجو في نهاية الاسبوع بموجة من الهجمات الواسعة نسبياً؟ ثمة اعتبار مركزي هو حالة الطقس. ذلك ان شروط الرؤية الصعبة التي سادت القطاع في الاسبوع الماضي اوجدت مصاعب امام عمليات الجيش الاسرائيلي الذي اكتفى باطلاق قذائف المدفعية نحو مناطق مفتوحة، بمثابة رد فعل شرطي على وابل الصواريخ اليومي.
ولكن لموجة الهجمات الحالية يوجد تفسير اضافي: الجيش ينظر إلى حرب القسام كجهد متواصل، ربما عديم القدرة على الحسم، وطالما لا توجد خسائر في الارواح فانه بوسعه ان يبقى متمسكا بنهجه الذي يفيد انه لا حاجة الى الانجرار لردود فعل على كل حالة اطلاق صاروخ، والرد، الذي يعترف حتى كبار رجالات الجيش الاسرائيلي بمحدودية جدواه، يتشكل من سلسلة خطوات: نارمدفعية، غارات جوية، فرض "منطقة فصل" في حطام المستوطنات شمالي القطاع و"احباطات مركزة" (اغتيالات). وهذه تستخدم بالتبادل، وفقا لشروط المعركة.
وعندما تتوفر، حسب فهم الضباط، الفرصة لتحقيق نتيجة ميدانية حقيقية تتخذ اجراءات اكثر هجومية، مثلما حصل في نهاية الاسبوع. وبالتدريج، يجري الجيش الاسرائيلي نشاطات دفاعية على طول الجدار. في حادثتين مثل هذه أول من امس، اطلقت النار على فلسطينيين فقتلوا لأنهم اقتربوا من الخط الأخضر. وعلى الاقل في احدى هاتين الحالتين كان الحديث يدور عن مسلح وضع في المكان عبوة ناسفة بهدف المس بدورية عسكرية.
وسيكون من المبالغ فيه وصف التنسيق اليوم بتعابير التعاون الناجع الذي كان منتهجا بين الاطراف قبل اندلاع الانتفاضة الحالية. ولكن مصدراً عسكرياً كبيراً قال لصحيفة "هآرتس" ان الاجهزة اتخذت ـ ولا تزال تتخذ ـ نشاطات لتقليص الهجمات، عندما تنقل اليها اسرائيل معلومات استخبارية مناسبة. ولا مجال للحديث الان عن اعتقال نشطاء (فهذا لم يحصل حتى قبل صعود حماس) ولكن في الايام الاخيرة ابطل رجال شرطة فلسطينيون مفعول ثلاثة عبوات ناسفة اكتشفت في الاراضي الفلسطينية، بجوار سياج الفصل.
ولو كان الجيش الاسرائيلي مطالباً بمعالجة ذلك لاضطر الى ادخال خبراء المتفجرات لديه إلى المنطقة والمخاطرة بالمس بهم. في أربع مناسبات مختلفة، عطلت الاجهزة مفعول وسائل اطلاق صواريخ القسّام عثرت عليها في منطقتها. كما ان الفلسطينيين يعنون بالبحث عن الانفاق التي تحفر قرب معابر الحدود. فقبل اسبوع فقط عقد لقاءان تنسيقيان، واحد على مستوى قادة الفرق وآخر لقادة الالوية، من الجيش الاسرائيلي والسلطة.
وحسب سياسة الحكومة، فان هذه اللقاءات ستتوقف من اللحظة التي ستتشكل فيها حكومة حماس. الضباط الفلسطينيون قالوا لنظرائهم الاسرائيليين انه برأيهم لن يكون لذلك مبرر. وحسب تفسيرهم للوضع القانوني والسياسي الناشئ في السلطة ذات الرأسين، فانهم سيواصلون تبعيتهم لرئيس السلطة ابو مازن وحده (جبريل الرجوب يدعي العكس). وفي الجيش الاسرائيلي يوجد ضباط يعتقدون بأنه ستكون هناك حاجة متبادلة للحفاظ على مستوى معين من التنسيق، حتى بعد صعود حماس الى السلطة.
مع او بدون حماس، صواريخ القسام ستواصل السقوط، وواضح للجميع بانه لا يدور الحديث هنا عن قصة نجاح عسكرية، حتى اذا لم يكن قتل الى الان اي اسرائيلي نتيجة الارهاب الغزاوي منذ الانسحاب. وإلى جانب الاختبارات الأخرى لفك الارتباط، فان مسألة القسام ستواصل طرح علامة استفهام كبرى على نجاح المبادرة. الرد الاسرائيلي، كما يعتقدون في الجيش الاسرائيلي يجب ان يتضمن رداً هجومياً على الصواريخ، انطلاقا من الامل في ان ينشأ بالتدريج توازن رعب يجعل اطلاق الصواريخ غير مجد من ناحية منظمات الارهاب.