المعركة الدائرة بين الإدارة الأميركية، بقيادة سفيرها لدى الأمم المتحدة جون بولتون، وبين رئيس الدورة الحالية للجمعية العامة للأمم المتحدة السويدي يان الياسون، معركة فريدة ونادرة تهدد بنسف تشكيل «مجلس حقوق الإنسان»، وتعطي الدول الإسلامية مخرجاً يحررها من معركة مماثلة قد تضعها في قفص الاتهام بإفشال تشكيل هذا المجلس.

والنتيجة المرجحة لهذه الجولة من المعركة هي التأجيل. وذلك بدل إعادة فتح المفاوضات بين الدول الأعضاء على «مجلس حقوق الإنسان» كما تريد واشنطن أو التصويت على مشروع القرار الذي صاغه الياسون كحل وسط بين مواقف الدول المختلفة، والذي يتمنى له الاجماع.

بولتون صرح أول من أمس بأن الاجماع الذي تمناه الياسون بات فعلاً ماضياً، وذلك بقوله إن الولايات المتحدة لا تقبل بصيغة الحل الوسط التي طرحها الياسون لأسباب جوهرية تتعلق بالمواقف الأميركية الرئيسية.

اسباب الاعتراض الأميركي عديدة، بينها، أولاً، أن الفقرة في مسودة تشكيل «مجلس حقوق الإنسان»، والتي تحدد شروط عضوية الدول فيه، ليست قوية لدرجة منع عضوية الدول التي لا ترغب واشنطن بوجودها في المجلس الجديد. ثانياً، لا توافق واشنطن على انتقاء أعضاء المجلس على اساس الغالبية المطلقة للدول الأعضاء في الأمم المتحدة البالغ عددها 191 دولة، فالغالبية هذه تعني موافقة 96 دولة على الأعضاء الجدد، بينما ما تريده واشنطن هو موافقة ثلثي الدول الأعضاء عند التصويت، أي 127 دولة بدلاً من 96. وثالثاً، تحتج واشنطن على التقسيم الجغرافي الذي تقترحه وثيقة الياسون، بحيث تعطي لآسيا 13 مقعداً ولافريقيا 13 مقعداً وللدول اللاتينية ودول الكاريبي 8 مقاعد. هذا يعني أن للعالم الثالث ثلثي أعضاء المجلس، إذ يحتلون 34 من مجموع 47 عضواً.

الياسون تحدث مع وزير الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس بعدما رمى بولتون قنبلة التعهد بالدفع الى التصويت، وبالتصويت بـ «لا» إذا لم يعاود فتح المفاوضات أو التأجيل الى موعد آخر. رايس أبلغت الياسون أن لا تراجع عن الموقف الأميركي الرافض لمشروع القرار.

هذا الموقف نسف فكرة الاجماع ونسف الحلول الوسط التي قبلها بعض الدول على مضض. فمجرد عدم القبول الأميركي الاقتراح الذي قدمه رئيس الجمعية العامة، يعني عملياً أنه لن يكون هناك «مجلس حقوق الإنسان» ذو معنى. فمن دون العضوية الأميركية في هذا المجلس، لن يكون له الثقل والوزن والفعالية التي تجعله البديل المطلوب عن «لجنة حقوق الإنسان» التي تتخذ من جنيف مقراً لها، وتقبل بعضوية أي دولة حتى ولو كانت مدانة بخروقات حقوق الإنسان. وهذا ما دفع بالولايات المتحدة والأوروبيين الى البحث عن بديل لها، نظراً الى احتجاجهم على عضوية دول مثل كوبا وليبيا والسودان وزيمبابوي.

لكن موقف واشنطن من اقتراح الحل الوسط الذي توصل اليه الياسون وضع الأوروبيين في موقع صعب، لأن أوروبا متحمسة جداً لانشاء المجلس الجديد لحقوق الإنسان. وإعادة التفاوض على النصوص يفتح كل الملفات، كما يشرّع الاحتمالات على «قتل» أو «دفن» مجلس حقوق الإنسان الجديد، نظراً الى الخلافات الجذرية بين الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، والتي حاول الياسون التوفيق بينها في مشروع الحل الوسط. فالمجموعة الإسلامية، مثلاً، التي يترأسها مندوب اليمن السفير عبدالله الصايدي، كانت في صدارة «المواجهة»، نظراً الى اصرارها على تضمن مجلس حقوق الإنسان موقفاً من الاساءة الى الدين. واتهم بعضهم بولتون بـ «تحريض» بعض السفراء المسلمين على الاصرار على مواقفهم، كي لا يكون هو وحده الذي يشق الاجماع. لكن استراتيجية منظمة المؤتمر الإسلامي الآن هي: انتظار نتيجة المعركة بين الأميركيين ورئيس الجمعية العامة، فإذا حدثت «معجزة» وتراجعت الولايات المتحدة عن مواقفها، توافق المجموعة الإسلامية على صيغة الحل الوسط بحيث يؤخذ بموقفها في الفقرة التمهيدية من قرار تشكيل مجلس حقوق الإنسان، وليس في الفقرات العاملة.

وتؤكد الفقرة، بحسب اقتراح الياسون، «حاجة الدول الى بذل المزيد من الجهود لتعزيز الحوار والتفاهم بين الحضارات والثقافات والأديان»، وتدعو الى «أن تقوم الدول والمنظمات الاقليمية وغير حكومية والمنظمات الدينية والصحافة بدور مهم في تعزيز التسامح واحترام الأديان والمعتقدات».