نصر شمالي

الحرب على العراق يمكن أن تصبح المشكلة الرئيسية لهذا الجيل الأميركي وللعصر الذي يعيشه، فمن المحتمل جداً بقاء القوات الأميركية في العراق لثلاثين سنة قادمة، ولنتذكر أن 39 ألف جندي أميركي لا يزالون في كوريا الجنوبية بعد انتهاء الحرب بخمسين عاماً! هذا ما قاله غريدون كارتر مؤلف كتاب (ضياع كرامة أميركا!). يقول كارتر عن الحرب ضدّ العراق بأنها معركة مختارة وليست ضرورية، أو مفروضة، وأنها لم تدمّر العراق فحسب بل دمرّت سمعة ومكانة الولايات المتحدة في أنحاء العالم، فهي شنّت ضدّ بلاد لم تكن تشكل خطراً مباشراً على الولايات المتحدة، وإذا كانت لكل حرب صورها الفوتوغرافية، حيث لحرب فيتنام صورة الطفلة العارية، الهاربة من قريتها التي أحرقتها قنابل النابالم، فإن صورة حرب العراق الباقية هي صورة السجين فوق المقعد، والقناع يخفي وجهه، والأسلاك الكهربائية تتدلى من أكمامه! يضيف كارتر أن صورة وسمعة ونفوذ الولايات المتحدة في العالم سيزداد سوءاً. إن معظم سكان العالم لا يكرهون الأميركيين، بل هم لا يحبون إدارة بوش، وإذ أعاد الأميركيون انتخاب بوش فإن هذا يعني أنهم موافقون على سياسته، وفي هذه الحالة سوف نرى شعوباً بأكملها تزداد كراهية للأميركيين وسيتوجب انتظار جيل كامل لاسترداد صورة أميركا وسمعتها!

المال للسلطة والسلطة للمال!

إن ما يلفت النظر في أحاديث غريدون كارتر، وأيضاً في أحاديث كيتي كيللي مؤلفة كتاب (آل بوش – التاريخ الحقيقي لهذه الأسرة) هو تركيز الضوء والاهتمام على الدور الكبير الذي تلعبه سمات وخصائص الرئيس بوش وأسرته في أوضاع الولايات المتحدة ودول العالم عموماً. تقول كيللي عن سبب إعداد كتابها عن تاريخ آل بوش هو أن هذه الأسرة تحكم أميركا، وإذا كانت تحكم أميركا فإنها تقود العالم أيضاً، وهي أسرة يكتنفها الغموض وتحيط بها الأسرار وتستهويها المناورات! تقول كيللي أنها قابلت 937 شخصاً أثناء إعدادها الكتاب، وأن جميع من قابلتهم انتابهم الرعب عندما طرحت عليهم فكرة الحديث عن آل بوش! قال لها أحدهم: إن آل بوش بلطجية، وعليك أن تتذكري كيف تصرفوا عندما تدخلوا لإيقاف الانتخابات في فلوريدا عام 2000، فقد انهالوا بالضرب على الناخبين!

يعرض كتاب كيتي كيللي كيف أن آل بوش جمعوا المال بهدف الوصول إلى السلطة، وأنهم في حاجة إلى السلطة كي يجمعوا المال! وحسب تقديراتها فإن ثروة بوش الأب تبلغ حوالي 60 مليون دولار، وثروة الإبن حوالي 27 مليوناً، وهو ما لا يعرفه الشعب الأميركي (المعلومات تعود إلى عام 2004) إن آل بوش وحاشيتهم أشبه بقبيلة يحركها الخوف والمال والأسرار! والأسرار تسيطر على أجواء هذه الأسرة، فالرئيس الحالي وقع أمراً يمنع الإطلاع على أرشيف حاكم تكساس، حيث كان هو الحاكم، ويمنع الإطلاع على وثائق فترة رئاسته الحالية!

لقد أمضت كيللي شهوراً للحصول على معلومات تتعلق بأحد أفراد أسرة بوش، المتوفى قبل 25 عاماً، واضطرت للاستعانة بأحد المحامين لتحقيق طلبها، ثم أصبح من المحال الحصول على مثل هذه المعلومات، فآل بوش محوا من شجرة العائلة كل ذكر لطفل مصاب بإعاقة، وكل ذكر لأية حالة طلاق، وكل ذكر لتعاطي جورج بوش الابن للكوكايين في كامب ديفيد! أما عن طريقة بوش في إدارة الحكم فتقول كيللي أنها محكومة برؤيته المبسطة عن عالم منقسم بين خطأ وصواب، وطيب وشرير، وأسود وأبيض، وهي رؤية تدعمها معتقداته الدينية، فأساس سياسته هو عقيدته الدينية!

عيد الشكر والديك الرومي!

أما غريدون كارتر فذكر أن الرئيس بوش ظهر وسط جنوده في بغداد وبين يديه ديك رومي مزيّف (اصطناعي) للاحتفال معهم بعيد الشكر، أي أن الديك كان مجرّد ديكور من أجل الصورة التي ستتناقلها أجهزة الإعلام، وأنه بمثل هذه الطرائق المتصنعة يصنع شعبيته، وخلافاً لجميع السياسيين فإن لبوش أساليبه ومظاهره المتعدّدة، فهو مزارع مع المزارعين، يلعب على الوتر الحساس لأهالي تكساس مثلاً، فيحدثهم عن مزرعته في تكساس! ووسط الجنود هو واحد منهم.. الخ ومن خلفه آلة فعالة لاستغلال الصور، وقد أحاط نفسه بالمحافظين الجدد والصقور من أمثال نائبه ديك تشيني الذي يقيم الاعتبار الأول لعلاقاته مع رجال المال والأعمال، وفي كل مرة تواجه فيها إدارة بوش الاختيار بين مصالح الذين يمولونها ومصالح المواطن الأميركي المتوسط تختار الممولين! وقد استفادت هذه الإدارة من أحداث أيلول/ سبتمبر ووظفتها كأداة رهيبة في الداخل والخارج، محيطة نفسها بالأسرار، ومضاعفة من عملياتها التجسسية في الداخل على حساب حياة المواطن الأميركي العادي!

السلوك المتناقض والكارثة القادمة!

إن هاجس الأميركيين العقلاء اليوم هو هذا التمادي في انتهاك الدستور الأميركي من قبل الرئيس بوش، ومن وجهة نظر غريدون كارتر فإن الأميركيين لا يريدون على الإطلاق التفكير في العراق، فما يشغلهم هو أمنهم الخاص، بينما الرئيس بوش، منذ بداية ولايته الأولى يحمل تصوراً لسلطات رئاسية واسعة، وأهم وآخر تجليات هذا التصور هو زعمه بأن له من السلطات ما يخوله إصدار الأوامر بالتجسس على الاتصالات والمكالمات الهاتفية التي يجريها المواطنون الأميركيون، ممن يشتبه في أن تكون لهم صلة بالمنظمات الإرهابية! ويعتمد الرئيس بوش في سلطاته المزعومة على مصدرين: مفهومه المبهم الغريب عن سلطته الضمنية، وقرار أجازه الكونغرس يعترف بسلطة الرئيس في اتخاذ ما يلزم من اجراءات لردع ومنع وقوع أية هجمات على الولايات المتحدة، كما يخوله استخدام ما يلزم من قوة ضدّ أية دولة أو منظمة أو أشخاص، يخططون أو يصادقون أو يشاركون أو يساعدون في الهجمات الإرهابية ضدّ أميركا، وقد استخدم الرئيس بوش قرار الكونغرس هذا من أجل تصعيد حربه الملفقة، المدبّرة، على العراق!

يقول بات هولت: كما نعلم، فإن من أهم مزايا النظام الديمقراطي، الذي نسعى إلى نشره في العراق، وغيره من بقاع الأرض، هو حكم القانون، فكيف لنا أن ننشر الديمقراطية وحكم القانون ونحن نتجاهلهما في بلادنا؟ ألا يجعلنا هذا التناقض مثالاً أسوأ من الإرهابيين الذين نقاتلهم؟ وإذا كنا كذلك، فأية كارثة ماحقة سيجلبها لبلادنا هذا السلوك المتناقض الغريب؟!