قبل أن يبدأ الحوار بين قادة <<الباب الأوّل>>، برز ما سمّي بعقد تحتاج إلى تذليل. العقدة الأرثوذكسية. عقدة النواب الأرمن. عقدة تمثيل طائفة الملكيّين الكاثوليك. عقدة تمثيل أحزابالبعث/القومي/الناصر.
يمكن، بناءً على هذه العقد المتّصلة بالواقع الطائفي، تسجيل الملاحظات التالية:
يمثّل الدروز في الحوار الوطني زعيم واحد. يمثّل الشيعة زعيمان متحالفان في إطار <<الثنائية الشيعية>>. يمثّل السنّة زعيم واحد، وإلى جانبه رئيس الحكومة وحليف انتخابي. أمّا الموارنة فاحتاجوا وحدهم إلى أربعة ممثّلين. إنّ هذا المشهد وحده كفيل برسم إشارات المرارة على وجه البطريرك الماروني.

شكّل الأرمن ثقلاً انتخابياً في أكثر من دورة اقتراع. اعتبر تصويتهم أحد العوامل الحاسمة، لا سيّما في منطقة المتن. طرحت سجالات حول كيفية التصويت الأرمني، ومشكلة <<صبّ>> أصواتهم كتلة واحدة لحساب من هم في السلطة. تمّ الاعتراض على هذا الشكل من التصويت، لا سيّما في ظلّ انقسام السلطة بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة. ثمّ برزت عقدة نواب بيروت الأرمن، وإمكانيّة اختيارهم من خارج صفوف حزبهم الأقوى، إلخ... لكن، حين <<حزّت المحزوزية>>، تبيّن أن لا صوت يعلو فوق صوت الطائفة. لم يشأ الأرمن أن تمثّلهم الكتل النيابية التي ينتمون إليها. إنّهم بحاجة للحضور في الصف الأوّل. تطلّب ذلك أن يعود الأرمني في كتلة <<المستقبل>> أرمنياً، والأرمني في كتلة <<الإصلاح والتغيير>> أرمنياً.
بقيت الأحزاب والتيارات <<اللاطائفية>> في لبنان خارج إطار الحوار. فمن نجح منها في الانتخابات، لم يحتل أكثر من مقعد أو مقعدين. وفي ذلك يتساوى اليسار الديموقراطي مع الحزب السوري القومي الاجتماعي مع حزب البعث والتنظيم الشعبي الناصري.

في غمرة الصراع حول العقدة الأرثوذكسية، كانت تهمة ميشال المرّ حسب البعض دعوته السابقة لرجال الدين لعدم التدخّل في السياسة. إنّها فعلاً لطخة العار في تاريخ ميشال المرّ الحافل! بيد أنّ حالة ميشال المر تستحقّ مقاربتها من موقع آخر. إنّ جلوس ميشال المر إلى طاولة الحوار يشبه بمعنى ما جلوس محمد الصفدي إليها، وذلك على الرغم من الاختلاف في السياسة والتاريخ والموقع بين الرجلين. فهذان السياسيان قام تمثيلهما ما بعد الحرب على شبكة من المحسوبيات لم تستمدّ قوّتها من التمثيل الطائفي. إنّ جلوسهما إلى طاولة الحوار هو تكريس لهذا النوع من المحسوبية الذي راج في لبنان ما بعد الحرب. فبعدما كانت المحسوبية طائفية أساساً، لا بل شكلاً من أشكال توزيع الثروة بواسطة الطوائف، برزت محسوبيات من نوع مختلف، لا تستمدّ مشروعيّتها من زعامة طائفية، لا بل يمكن اعتبارها عابرة للطوائف. الطرابلسيون مثلاً باتوا يدعون نائبهم موريس فاضل، عضو التكتّل الطرابلسي الذي يمثّله الصفدي في الحوار الوطني، السيّد <<محمّد موريس فاضل>>.

لا نعرف ما هي الإضافات النوعية التي كان سيؤمّنها حضور نائب رئيس المجلس النيابي لجلسات الحوار. فالرجل القادم من عالم الأعمال في شركات الحريري، والذي رُشِّح لمنصبه الحالي من قبل كتلة <<المستقبل>> أساساً، الكتلة التي حصلت على أكبر عدد من المقاعد في المجلس النيابي، لم يقتنع بأنّ حضور السيد سعد الحريري كاف لتمثيله. لماذا؟ لأنّه يشغل الآن منصباً للروم الأورثوذكس، ولا يستقيم تمثيل تلك الطائفة إلا بحضوره. وفي سبيل تلك المعركة المشرّفة، لا بأس أن يذهب الشهداء ضحايا المعركة، ما دامت القضية تمسّ كرامات طوائفهم. هكذا تصبح الطائفة الأرثوذكسية، حسب نائب دولة الرئيس، هي <<الطائفة التي قدمت الشهيد سمير قصير والشهيد جورج حاوي والشهيد جبران تويني والشهيد الحي الياس المر>>. يكفّ إذاً سمير قصير، الوجه المضيء في انتفاضة الاستقلال، عن كونه شهيد تلك الانتفاضة ليصبح شهيداً قدّمته طائفته! ويصبح شهيد النضال الوطني الممتد عقوداً إلى الوراء جورج حاوي هو أيضاً شهيد الطائفة الكريمة.