منتصف القرن التاسع عشر تأمل احد اقتصاديي بريطانيا (جيفسون) خريطة العالم على الجدار، وقال مخاطباً نفسه: «ماذا نريد افضل من ذلك؟ حقول اميركا الشمالية وروسيا هي مزارعنا للذرة. وشيكاغو واوديسا مخازن القمح. وكندا وبلاد البلطيق هي الغابات التي ننتج منها الخشب. وفي استراليا وآسيا المجاورة تقوم مزارع اغنامنا. وفي الارجنتين وبوادي الغرب الاميركي ترعى قطعان ابقارنا. والذهب يتدفق من استراليا وجنوب افريقيا. والفضة من البيرو. والهنود والصينيون يزرعون لنا الشاي. واسبانيا وفرنسا كرومنا. وحوض المتوسط حديقتنا. والحقول المنتجة للقطن التي كانت فقط في جنوب الولايات المتحدة، امتدت الآن الى جميع مناطق الارض الدافئة».

كان ذلك العام 1865، ولذا لم يضف جيفسون الى هذه الصورة المزهرة امام الامبراطورية، النفط العربي ايضا. كانت امبراطورية تشرق لها الشمس في كل مكان، ولذا كان في امكانها ان تحصل على جميع انواع خيرات الارض. وقد عدد جيفسون كل هذه الثروات التي هي عند سواه، لكي يطمئن مواطنيه الى ان لا خوف من المجاعة والفقر ذات يوم.

ثلاثة ارباع المواد التي عددها جيفسون موجودة في العراق وحده. الكروم وحقول القمح وقطعان الغنم والابقار والاخشاب. ومع ذلك العراق يستورد كل شيء حتى العدس. واما القطن فمصر بلاده. ومناجم الذهب والفضة تنتظر في بلاد المغرب العربي من يحفرها ويستثمرها. والبنّ في اليمن اطيب من البرازيل. وسورية كانت غلال روما الزراعية. وحتى الستينات كانت تصدر الى ايطاليا كل ربطة سباغيتي نعود فنشتريها بأضعاف سعرها.

يشكل العالم العربي سوقاً ذاتية لا مثيل لها. لكن الدول التي تحتاج التفاح تستورده من نيوزيلندا خوفاً من ان يكون مع كل صندوق تفاح عربي صندوق اسلحة او كيلو حشيش. والرأسمال العربي يستثمر في المشاريع الزراعية في كوستاريكا وكينيا واوغندا، لأنه هناك يدفع الضريبة وليس الخوة. والفارق ان الاولى معروفة ولها حدود وتغنيك عن رؤية البلطجية. حتى النفط العربي لا نستورده، لأننا نصدّر الممتاز منه الى الدول القائمة على الرقابة والصحة. وقبل سنوات قليلة استورد «تجار» لبنانيون المازوت من العراق، وامتلأت اجواء لبنان بتلوث قاتل وروائح كريهة. وتبين ان «المازوت» محروق ومستهلك 3 مرات قبل استيراده. ومنذ اكثر من ربع قرن لم المح في لندن دخاناً اسود مع ان جميع سيارات الاجرة تسير على المازوت. وجميع سيارات فرنسا لكن لا دخان الا في بيروت.

امة ضائعة تكره بعضها البعض. وعن حق تخاف بعضها البعض. ورأيت مرة في منزل مسؤول عربي عمالاً فيلبينيين وهنوداً وحتى نيباليين. وسألته في شبه عتب لماذا لا يوظف عرباً. فأجاب باقتضاب: لأنهم سيبلغون حكوماتهم كم مرة ادخل الحمام في اليوم وكيف اؤنب احفادي.