انقطعت الكهرباء في نيويورك لبضع ساعات فعمت المدينة جرائم السرقة والاعتداءات. أضربَ رجال الشرطة في مونتريال يوما واحدا، فخربت المدينة. واعتدى ثلاثة شرطيين في لوس انجليس على موقوف افرواميركي فاشتعلت المدينة ووقفت على ابواب الحرب الاهلية، واضطر جورج بوش الأب الى اعلان حالة الطوارئ وإنزال الجيش.
غابت عن الأميركيين هذه النماذج البديهية عندما جاؤوا يحاربون العراق ويؤدبونه وينشرون في ارجائه «الديمقراطية». حلّوا الجيش والقوات المسلحة. وحلوا وزارة الخارجية والسلك الدبلوماسي. وحلوا وزارة التربية والتعليم. وكل ذلك من أجل ان يقيموا من الصفر جمهورية افلاطون ومدينة الفارابي.

وهذه هي النتائج. انفلتت غرائز القتلة والمجرمين والحرامية. وانفلتت غرائز العصبيين والعصابيين والمجانين. وسُرِقت آثار بغداد ومتاحفها. وعمت الفوضى وساد الخوف والبؤس. وسجن جورج بوش صدام حسين لكنه أفلت آلاف المرتكبين. وحل الجيش القاسي لكنه اقام الجيش الهزيل، وحل قوات الأمن الظالمة وجعل الأمن تحت رحمة الزعران والمجرمين.

لقد اقامت اميركا في العراق نموذجا مرعبا خلفا لنموذج مخيف. وارادت ان تقطع رأس النظام السابق فأقامت نظاما بلا رأس. وجاءت تحرر العراق من ديكتاتورية الرجل الواحد والحزب الواحد فرمت العراق في ديكتاتورية المجهول والأشباح والأحزاب المتصارعة والعرقيات المتكارهة والمتقاتلة. وارادت اميركا بوش ان تحاصر الارهاب في مكان واحد وان تقاتله في مكان واحد، فانشأت حقلا جديدا لتصدير الارهاب والارهابيين وزعزعة العالم العربي. ويبدو ان أحلام اميركا الديمقراطية الزاهرة لن تتوقف عند بغداد. فهي تنوي ان تحرر ايران وسورية بعدما اعلن بوش مرة بعد اخرى انه «انتصر» في العراق.

يا سيدي، فخامتك، اتركنا في حالنا. اذا كانت هذه هي الديمقراطية، كثّر خيرك. بلاها. دخيلك بلاها. اذا كان التحرر ابو غريب وغوانتانامو، بلاها فخامتك. دخيلك بلاها. لماذا لا تعطي شيئا من الاهتمام لأميركا الجنوبية؟ كاسترو. شافيز. موراليس؟ افريقيا، يا مولاي، عليك بافريقيا. جنوب شرق آسيا. الاوقيانوس. منغوليا العليا. غرينلاند.

اتركنا الى مرحلة اخرى من الاهتمامات. دعنا نتنفس. أمنحنا شيئا من الهزائم بدل هذه الانتصارات. كل يوم تقف خلف منبر وتتطلع في عيوننا وتقول للعالم:

«لقد ربحنا في العراق». يا مولاي على راسنا. واضح انك ربحت. واضح. انقل هذه التجربة النموذجية الى منطقة اخرى. رجاء.