خلافاً لكل التقديرات التي أطلقها بعضٌ ممن انتعش بالتفاؤل بوقف، أو الحد من عمليات الاستيطان التهويدي الجائر بعد الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة، وتفكيك المستوطنات من على أرض القطاع، فإن عمليات التهويد توصلت في الضفة الغربية وداخل وعلى محيط مدينة القدس الشرقية، تحت دعاوى التوسع الطبيعي وتسمين المستعمرات المقامة.

ففي سياق العملية الاستعمارية الإجلائية الجارية فوق الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967، خصوصاً في منطقة القدس لوصل التجمعات الاستيطانية الكبرى في معاليه أدوميم وجبعات زئيف وجبل جيلو مع القدس، وخنق القرى الفلسطينية في المناطق المحيطة وعلى خط حدود القدس الكبرى، تعددت جبهات الهجوم الإسرائيلي لفرض الأمر الواقع الديموغرافي السياسي السيادي على المدينة المقدّسة ومساحات من أراضي الضفة الغربية المحاذية لجدار الفصل العنصري.
وفي هذا المجال، فإن المعلومات الأخيرة التي رشحت من دوائر الاستيطان اليهودي في إسرائيل بداية العام الجاري 2006، أشارت الى خطة جديدة تقوم على بناء خمسة آلاف شقة سكنية، لجلب المزيد من اليهود وإسكانهم فوق الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967، ومعظم الوحدات السكنية المشار إليها ستقام بالقرب من مستعمرات: بيتار عيليت (2000 وحدة سكنية)، وفي افرات (750 وحدة سكنية)، وفي معاليه ادوميم (500 وحدة سكنية) حول محيط القدس، وفي تسوفيم (450 وحدة سكنية)، وفي أريئيل قرب رام الله (350 وحدة سكنية).
وأشارت مصادر إسرائيلية بأن تنفيذ الخطة إياها، يعني تلقائياً بأن العام الحالي 2006 سيصبح العام الأكثر أهمية من ناحية البناء الاستعماري الاستيطاني، وذلك إذا ما بنينا المقارنة التالية بين أرقام البناء الاستيطاني التهويدي المقترحة مع ما تم إنجازه خلال الأعوام الماضية. ففي العام الماضي 2005، جرى بناء واستيطان قرابة 2000 وحدة سكنية، وفي العام 2004 جرى بناء واستيطان 2167 وحدة سكنية، وفي العام 2003 جرى بناء واستيطان 908 وحدات سكنية، وفي العام 2002 جرى بناء واستيطان 747 وحدة سكنية، وفي العام 2001 جرى بناء واستيطان 719 وحدة سكنية.

ومن المتوقع أن تتوجه عمليات الاستيطان التهويدي في الفترات القادمة تجاه مدينة القدس، خصوصاً وأن الدراسات الميدانية للتوزع الديموغرافي السكاني، أوضحت بأن جدول المغادرة اليهودية من المدينة يتجه نحو الارتفاع. حيث غادر المدينة أكثر من 100 الف من اليهود على امتداد العشرين عاماً الأخيرة.

كما أوضحت الدراسات ذاتها بأن الأغلبية اليهودية في القدس آخذة بالتآكل. فقد هبطت بعد الاحتلال الكامل للمدينة في العام 1967 من 75% الى 66% نهاية العام الماضي 2005. ومن المتوقع أن تنخفض الى 58% في العام 2020. وإلى التعادل في العام 2030 بين اليهود والعرب. عدا عن هذا وذاك، فإن الجداول الاقتصادية تشير الى أن معدل المشاركة في قوة العمل في القدس أدنى منه في المدن الكبرى، والقدس هي الأفقر بين المدن الكبرى، وثلث العائلات في المدينة توجد تحت خط الفقر.
فضلاً عن أن العامل الأمني يلعب دوراً كبيراً في استقرار العائلات اليهودية من عدمه في المدينة، فقد وقعت 635 عملية فدائية منذ اندلاع انتفاضة الأقصى حتى نهاية العام 2005، وبنتيجتها تم ارتفاع الميل نحو المغادرة اليهودية للمناطق الشرقية من المدينة والمحتلة عام 1967، الى درجة أصبحت فيها أعداد كبيرة من المساكن الاستيطانية من دون أصحابها في المستعمرات الكبرى والصغرى على حد سواء التي تزنّر المدينة في معاليه أدوميم وبسغات زئيف وغيرها. وبالنتيجة، إن استمرار عمليات الاستيطان الجائرة، واستمرار قضم الأرض الفلسطينية، وتغيير معالمها، عوامل تزيد من تعقيدات ملف التسوية المعقّد أصلاً بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي.