تعود لجنة الحوار اليوم الى ساحة (حوار؟) صارت تحدّها، خلال أيام انقطاعها، شرقاً سوريا استقوت بتسجيلها بعض النقاط في معركة دبلوماسية اعادت توجيهها، فوضعت "على الطاولة" مرشحين من عندها للرئاسة تأكيداً منها للمتحاورين – او ايهاماً - انها مستعدة للتخلي عن المدة المتبقية للرئيس اميل لحود...

وغرباً، تحد الساحة تأكيدات متصاعدة من العواصم الغربية، وفي طليعتها باريس، لوجوب تنفيذ القرار 1559، وبنوع خاص انتخاب رئيسٍ جديد للجمهورية يعيد لبنان الى حال الشرعية الدستورية التي أفقده اياها التمديد؛ وفي الافق ان تنفيذ هذا البند من القرار، معطوفاً على جلاء الجيش السوري ونظامه الأمني، يفسح في المجال لتأخير "نزع سلاح الميليشيات" الى حين انتهاء الحوار الوطني في شأنها.

الحدود الأكثر غموضاً للساحة هي بالطبع الحدود الجنوبية، حيث ترابط اسرائيل – العدو الطبيعي والتاريخي والقومي – للبنان، قابعة على ستراتيجية معقَّدة تتجاوز اهدافها لبنان انما تمرّ عبره كجبهةٍ يجب – بالمقاييس الاسرائيلية – ان تظل مفتوحة لأنها بمثابة شبكة عنكبوت جاهزة ابداً ليعلق في خيوطها هذا او ذاك من اعداء اسرائيل وفق القواعد غير المنظورة "للعبة الستراتيجية المفتوحة" بين الدولة العبرية واعدائها الذين تحوّلهم هكذا الى "حلفاء موضوعيين" حين تلتقي وحيث تلتقي المصالح الظرفية... وهذه الستراتيجية.

والأهم، ولو الأقل خطورة وخطراً، من وجود اسرائيل جنوب حدود "ساحة الحوار" هو وجود المقاومة الوطنية بسلاحها (وخصوصاً قضيتها شبعا، وقد أصبحت البند الأول في جدول أعمال الحوار) و"الوجود الفلسطيني" بمخيماته وسلاحه، وخارج المخيمات كذلك حيث يشكل امتداداً للحدود الشرقية (أي السورية) لساحة الحوار.

والآن، من حقنا، وحق القراء علينا، ان نتساءل كيف ومن أية حدود سيٌقبل المتحاورون على ساحة الحوار حين يعودون الى الطاولة؟ وهل يعود كل واحد منهم لينطلق من آخر عبارة قالها او سمعها قبل رفع الجلسة الاخيرة؟ غالب الظن ان هذا ما سيحصل. فيتسبب الأمر بالغرق في حلقة مفرغة تبدأ باعادة "تلاوة" كل فريق وجهة نظره، في صيغة مجمّلة، يرد عليها سائر الفرقاء بتلاوات مماثلة، ولا ينتهي الأمر الى استخلاص مواقف حوارية تقاربت في فترة الانقطاع، مما كان يمكن ان يمنع تحوّل الجولة الجديدة الى "ماتش" مبارزة بين مواقف شدّها اصحابها جميعهم الى التصعيد الاقصى حمايةً أو لتعزيز حظوظهم في المواجهة!

ماذا يمكن ان يفعل المتحاورون للحؤول دون ذلك؟

اي دون الوصول الى الآفاق المسدودة والابواب المقفلة؟

امران: اولاً دفع روحية الحوار الى الواجهة والدعوة الى استلهامها، أي الانطلاق من المسلّمات بدل الانطلاق من المواقف الخلافية.

وثانياً: عدم الرجوع الى الامور التي تقدم البحث فيها ثم تعقّد (وخصوصاً قضية شبعا) باعتبار انه لم يعد في متناول أحد ان يزيد حرفاً جديداً الى ما قاله في الجلسات السابقة، من غير ان يفتح مواضيع نزاعية اخرى.

واستطراداً من ذلك، نقترح على الرئيس بري، أو سواه من دعاة المواقف التوفيقية، طرح جدول اعمال جديد يشتمل على ما يلي:

اولاً: القضية الاقتصادية – الاجتماعية – المالية، انطلاقاً من رسالة وزير المال الى حلقة الحوار، ومن "استصراخات" (ولا نجد كلمة سواها) الهيئات الاقتصادية والنقابية... على أمل ان تنشأ من هذا البحث قاعدة تفاهم توازن الاختلافات السياسية وتطمئن الناس المشغول بالها على مصيرها.

ثانياً: المسائل الدستورية التي اثارها اتفاق الطائف ولم نتصدَّ لها بعد، وهي انشاء الهيئة الوطنية لالغاء الطائفية السياسية ثم التزام انشاء مجلس شيوخ على المسار الدستوري ذاته الذي يسلكه الاصلاح الانتخابي المتعثّر.

وبديهي لنا ان هذين الأمرين قد يحدّان من الروح الطائفية المستحكمة بالقضايا الاخرى المثارة.

ويحسن بنا ختاماً، ان نتذكّر (ويذكّر المتحاورون) ونحن نقارب جدول الاعمال الاضافي انه ينتقل بنا الى حيز الاصلاح الذي كان غيابه عن التحقق، نتيجة "ثورة" 14 آذار، هو مدعاة الاحباط الذي اصاب الشباب بل الشعب بكامله، على رغم الجلاء السوري والتحرر من نظامه الامني المخابراتي... وقيل آنذاك ان الجلاء كان أمراً "سلبياً" لم نحُلّ محله انجازاً في الحكم "ايجابيا" وتقدمياً، يكون بداية نظامٍ للبنان جديد.