نضال الخضري

نهار واحد فقط ولا اكتفي من الانهيار ... وصباح غائم رغم الشمس التي تزين السماء، لكنني أبحث بين دخان سجن أريحا عن كل المذابح التي شهدتها المدينة منذ لحظة الولادة الأولى. وأفكر أحيانا أن علي صياغة التاريخ على سياقي، ووفق تفاصيل جسدي، لأنني كنت أفكر أن المذابح خاصة بالإناث، وان طعم الإذلال أنثوي بطبعته، لكن اكتشف اليوم أن أخلاقنا .. وربما صورتنا النمطية، مكتوبة على شاكلة أنثى مهجرة من قبيلة لأخرى، فمن يستطيع النحيب على جدران أريحا؟!! أو من يتحمل لون الكره المرسوم في كل طلقة نستقبلها بابتسام؟!!

وأفكر أحيانا أن الصورة الأخيرة للانتهاك لا تتلخص في أجساد النساء، بل في المدن المعلقة على رقبتنا، فالمدن إناث ... وأريحا أنثى كتبناها بداية للخليقة ثم تراجعنا عند أول عزوة لقبيلة بني "أولمرت" ... فإذا تشابهت الصور فليس لأننا نعيش زمن القبيلة بل لأننا نفكر على شاكلة القبيلة، ونبني أسرنا على لون "الثأر" و "العرض" و "الشرف" والنحيب الذي يميز حياة القبائل.

بعد أريحا ستبقى المدن واقفة أمامنا بانتظار عمليات السبي المنظم، والاستباحة التي لم تحركنا إلا عندما ثارت نفوسنا للتراث في "الرسوم المسيئة". فإذا كانت الأوراق الموزعة في دمشق وغيرها من المدن، والمعلقة في المحلات التجارية لمقاطعة البضائع الدنمركية تعنون نفسها "إلا رسول الله" فربما علي أن أصرخ "إلا أريحا ودمشق وبيروت وبغداد" .... و "إلا أحمد سعدات ومروان البرغوثي" وكل الوجوه المغيبة من حياتنا وكأن التاريخ يقف عند رجل واحد وتاريخ لا يتحرك.

أحاول مصافحة كل أنثى لم تبك على أريحا ... لم تنتحب للاعتقال ولا الموت الذي يرافقها، ثم أعرف أننا كإناث لا نحمل التراث من جيل إلى جيل، بل ننقل الصورة الأنقى لخصوبة الأرض باتجاه مستقبل مازلنا نحلم به منذ قرن مضى ... وربما لقرن قادم ... فالاستباحة واحدة سواء داهمتني .. داهمتنا في بغداد أو أريحا أو أي من المدن التي عايشناها ورسمت وجوهنا، لكنني ما زلت أفكر أنني أحمل تاء التأنيث مثل أريحا وغزة وحيفا ... وأحمل هذه التاء التي أريد التخلص من "نمطيتها" لينسحب الخصب على غد المدن ... على الصورة التي أحلم ... نحلم بها.