هآرتس

الهدف الذي تنشده خطة "الانطواء" الخاصة بايهود أولمرت هو الفصل بين إسرائيل وبين الفلسطينيين. فالقائم مقام رئيس الحكومة يوضح ذلك بالمصلحة الإسرائيلية: الخطة تهدف إلى تقليل الاحتكاك الذي يخلق عنفاً ويوجب نفقات أمنية ضخمة. كما يشير أولمرت أيضاً إلى الخطر الديموغرافي. ففي غضون 20 عاماً سيتحول اليهود إلى أقلية بين البحر ونهر الأردن. وإسرائيل ملزمة بالحفاظ على أغلبية يهودية مستقرة، وإلا سيكون وجودها معرضاً للخطر. لهذه الغاية يقترح أولمرت الانطواء داخل كتل استيطانية كبيرة وكثيفة. معنى ذلك هو إخلاء جزء جوهري من المستوطنات القائمة، وتحول الجدار الأمني عملياً إلى خط الحدود الفاصلة بين إسرائيل والفلسطينيين. وفي هذا المجال يتحدث أولمرت عن عملية تستمر ولاية واحدة.
ثمة في كلام مرشح كاديما نوع من التجديد المنعش. فمنذ العام 1967 سيطر على برامج الحزبين الكبيرين عرف الضبابية واللعب على الكلام. أما الآن، وللمرة الأولى، يخرج مرشح رائد في دعوة إلى الناخب لتأييد خطة ملموسة للانسحاب. وهنا يبدو بنيامين نتنياهو محقاً في قوله أن أولمرت حول بذلك الانتخابات إلى استفتاء عام حول الحدود.
لكن إذا كان ثمة انسحاب، فلماذا لا يتم تنفيذه بواسطة مفاوضات؟ يجيب أولمرت على هذا السؤال بأنه يتعين على الفلسطينين أن يحسموا قرارهم لجهة قبولهم بخارطة الطريق أم أنهم سيفضلون الانجرار إلى محور الشر الإيراني السوري. هنا تكمن نقطة ضعف الخطة.
يمكن بالطبع الادعاء أن "حماس ليست شريكاً. هذا ما قالته إسرائيل لسنين طويلة عن منظمة التحرير، إلى أن جلست معها على طاولة المفاوضات. وتمكنت أيضاً من خلق مناخ سيئ عبر وقف نقل الأموال إلى السلطة، والتعلق بالتصريحات المتطرفة لقادة حماس إزاء موضوع عدم التنازل عن حق العودة. لكن يمكن أيضاً الإصغاء إلى تصريحات أخرى في حماس، كتلك التي تتحدث عن وقف نار لمدة 15 ـ 20 عاما مقابل الانسحاب الإسرائيلي الكامل إلى حدود 67، وهذا بالطبع موقف الانطلاق للمفاوضات. خاصة وأنه من الواضح بأن الانسحاب الذي يتم بالتوافق مع الطرف الثاني أفضل من الانسحاب الأحادي الجانب الذي لن يفضي إلى إنهاء النزاع.
لكن بمنظار 40 عاماً من الاحتلال، من المناسب إمعان النظر في المقابل الاقتصادي الذي توجده خطة أولمرت ـ وهذا ما يثير الأمل في أن مجرد بدء الخطوة الأحادية الجانب من قبل إسرائيل سيدفع الفلسطينيين إلى الاعتراف بالتغيير الكبير الذي طرأ هنا: بدل التوجه التوسعي الذي تميزت به إسرائيل حتى الآونة الأخيرة، تنتقل إسرائيل إلى الانطواء. وبدل زيادة المستوطنات وتوسيعها، تقوم إسرائيل بتخفيض عددها وأرضها. وعندما يحصل هذا الأمر سيدرك الفلسطينيون أن نهج تفكير إسرائيل تبدل فعلاً. النهج الذي بدأ مع إخلاء غزة، استمر في عمونه وسيستمر عبر إخلاء مستوطنات في الضفة، سيكون واضحاً عندها لهم أيضاً.
عندما يحصل هذا الأمر سيتوصل الفلسطينيون إلى خلاصة مفادها أنه من غير المناسب ترك الإسرائيليين يحددون الحدود بشكل أحادي الجانب، لأنهم بذلك لن يكونوا قادرين على التأثير في حدودهم. لذلك ثمة أمل في أن مجرد بدء عملية الانطواء الأحادية الجانب ستشكل محفزاً يقود الطرفين إلى مفاوضات حول التسوية الدائمة التي ستعود بالنفع إلى الطرفين معاً.